قال ابن الصلاح بعد أن عرف الحديث الصحيح بقوله-هو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا- قال:
"هذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف فيه أو لاختلافهم في اشتراط بعض هذه الأوصاف كما في المرسل "
وأوضح ابن دقيق العيد مراده غاية الإيضاح فقال:
"لو قيل في هذا الحديث الصحيح المجمع علي صحته هو كذا و كذا إلى آخره لكان حسنا لأن من لا يشترط مثل هذه الشروط لا يحصر الصحيح في هذه الأوصاف ومن شرط الحد أن يكون جامعا مانعا "
قلت: قوله رحمه الله تعالى (الصحيح المجمع عليه هو كذا .. ) صحيح ولكن من حيث الإجمال وإلا فقد اختلف أهل الحديث أنفسهم في بعض صور الشروط المتفق عليها وإليك البيان:
الشرط الأول: اتصال السند:
و المقصود أن يكون كل راو في السند قد تحمل الرواية عن شيخه بطريق من طرق تحمل الحديث المعتبرة و قد اجمع أهل الحديث على أن اتصال السند شرط في صحة الحديث واختلفوا في بعض صوره هل الإسناد متصل فيها أم لا؟ كالسند المعنعن وهو الحديث الذي في سنده (عن فلان) والسند المؤنأن وهو الحديث الذي في سند (أن فلان) هل يحكم له بالاتصال أم لا؟ على مذاهب منها:
الأول: لا يعد متصلا إلا بالنص على السماع المعنعن) الراوي) عمن عنعن عنه (الشيخ)
الثاني: لا يعد متصلا إلا مع طول الصحبة بين المعنعن (الراوي) والمعنعن عنه (الشيخ)
الثالث: يحمل على الاتصال إذا أدرك المعنعن (الراوي) المعنعن عن (الشيخ) إدراكا بينا
الرابع: يحمل على الاتصال إذا أمكن اللقاء وكان المعنعن (الراوي) غير مدلس
وقد اشتهر النزاع في هذه المسألة بما أورده الإمام مسلم في مقدمة صحيحه من كلام شديد في الرد على من اشترط ثبوت اللقاء بين المعنعن والمعنعن عنه ولم يثبت اتصال السند بمجرد ثقة الرواة و المعاصرة كما هو مذهب ابن المديني والبخاري - وقيل في صحيحه خاصة- وغيرهما، والله اعلم.
الشرط الثاني: نقل العدل
و المقصود أن يكون الراوي على قدر من الديانة والاستقامة بحيث يؤتمن فيه الكذب وهذا الشرط و إن اتفق عليه العلماء إلا أنهم أيضا اختلفوا في بعض صوره كرواتية المبتدع ورواية من يأخذ الأجرة على التحديث و كذلك اختلفوا بما تثبت عدالة الرواة
أ- اختلافهم في رواية المبتدع
غير خاف على احد من طلاب العلم ما لعلماء الحديث من خلاف في الاحتجاج برواية المبتدع بدعة غير مكفرة قال الحافظ العراقي في ألفيته فقال:
والخلف في مبتدع ما كفرا قيل يرد مطلقا واستنكرا
وقيل بل إذا استحل الكذبا نصرة مذهب له ونسيبا
للشافعي إذ يقول اقبل من غير خطابية ما نقلوا
والأكثرون ورآه الأعدلا ردوا دعاتهم فقط ونقلا
فيه ابن حبان اتفاقا ورووا عن أهل بدع في الصحيح ما دعوا
ويمكننا تلخيص ما قاله فيما يلي:
1 - رواية المبتدع مردودة مطلقا وقد استنكره ابن الصلاح
2 - رواية المبتدع مردودة إذا كان داعية لبدعته وهو قول الجمهور بل نقل ابن حبان الإجماع عليه
3 - رواية المبتدع مقبولة ما لم يكن مستحلا الكذب وهو قول منسوب للشافعي
وهناك أقوال أخرى منها
3 - رواية المبتدع مردودة إذا كانت في بدعته
4 - رواية المبتدع مقبولة مطلقا
5 - رواية المبتدع مقبولة إذا كانت مخالفة لمذهبه
تنبيه: نقل النووي الإجماع على رد رواية المبتدعة بدعة مكفرة فقال في التقريب:
"من كفر ببدعته لم يحتج به بالاتفاق"
إلا أن العلماء لم يسلموا لها دعوى الإجماع قال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر اختلاف العلماء في قبول رواية المبتدع بدعة مكفرة قال:
"التحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته لأن كل طائفة تدعي أن مخالفتها مبتدعة وقد تبالغ فتكفر مخالفيها فلو أخذ على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف، والمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمرا متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة أو اعتقد عكسه، وأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله".
¥