تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وللعلامة ابن القيم في الداء والدواء ص 303، قولٌ يظهر منه أنه يُقرُّ ببعض القصة، حيث قال وهو يتكلم عن تدواي العاشق بنكاح المعشوقة إن أمكن ذلك _ كأن تكون بلا زوجٍ، فيتزوجها إن كان مُوسرًا، أو تكون جارية فيشتريها: فنكاح المعشوقة هو دواء العشق، الذي جعله الله دواء ًشرعًا. وقد تداوى به داود عليه السلام، ولم يرتكب نبي الله محرمًا، وإنما تزوج المرأة، وضمَّها إلى نسائه، لمحبته لها. وكانت توبته بحسب منزِلته عند الله، وعُلو مَرتبته، ولا يليق بنا المزيد على هذا. قال العلامة القاسمي في محاسن التأويل (14/ 5092): وهذا منه تسليمٌ ببعض القصة، لا بتمامها، وهو من الأقوال فيها. وقول ابن القيم: جعله الله دواءً شرعًا، يشير إلى الحديث الذي أخرجه ابن ماجه (1847)، والطبراني في الكبير (11/ 17، 50)، واللفظ لهما، والحاكم (2/ 174) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لم يُرَ للمُتحابَّيْن مثل النكاح ". قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، لأن سفيان بن عيينة، ومعمر بن راشد أوقفاه، عن إبراهيم بن ميسرة، عن ابن عباس. وأقرَّ الذهبيُّ الحاكم، وصحَّح البُوصيري في زوائد ابن ماجه إسناد الحديث عنده، وعزاه السيوطي في الجامع الصغير (7361) لابن ماجه والحاكم، ورَمَز لضعفه، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (5200). وليس لي حول هذا الحديث بحث مطول، والله أعلم.

هذا ما استطعت أن أُلَخِّصَه من كلام المفسرين في المسألة. وإذا أردت المزيد من الاطلاع على أقوال الأئمة في الذَّبِّ عن نبي الله داود عليه السلام، وإنكار قصة أوريا من أساسها، وإلصاق التهمة باليهود في افترائها، والتشنيع على من يرددها، فانظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل لأبي محمد ابن حزم (4/ 14، 15)، وأحكام القرآن للقاضي أبي بكر ابن العربي المالكي (4/ 1630_ 1639)، والشفا للقاضي عياض (2/ 144، 145)، ومفاتيح الغيب للفخر الرازي المتكلم (26/ 189_ 199)، والانتصاف من الكشاف لابن المنير السَّكَندري (بحاشية الكشاف4/ 88، 89)، وتفسير الخازن (4/ 34 _ 37)، والبحر المحيط لأبي حيان الأندلسي (9/ 146_151). فهؤلاء بعض من سبقوا المصنف.

وممن لَحِِقوه الحافظُ ابن كثير في تفسيره (4/ 31)، والبداية والنهاية (2/ 16)، والبُرهان البِِقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (16/ 355 _ 365)، والشنقيطي في أضواء البيان (7/ 24). وقد تميز أسلوب المصنف هنا عن غيره كما سيظهر من مُطالعة الرسالة، وعَبَّر هو عن ذلك في مَطْلعها. نسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الرسالة، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، إنه سميع قريب.

ترجمة المُصَنِّف مُختصرة، وتوثيق نسبة الرسالة إليه

هو الإمام، تقي الدين، أبو الحسن، علي بن عبد الكافي بن علي، السُّبكي، الشافعي، المفسر، الحافظ، الأصولي، اللغوي، النحوي، المقرئ، الجَدَلي، الخِلافي، النَّظَّار، البارع، المجتهد.

وُلد رحمه الله تعالى سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وقرأ القرآن على التَّقي ابن الصَّائغ، والتفسير على العَلَم العراقي، والفقه على ابن الرِّفْعَة، والأصول على العلاء الباجي، والنحو على أبي حيان، والحديث على الشرف الدِّمياطي، ورحل، وسمع من غير واحد، وأجاز له غير واحد، ممن يجمعهم مُعجمه، الذي خَرَّجه له ابنُ أيْبَك.

وبرع في الفنون، وتَخَرَّج به خلقٌ في أنواع العلوم، وأقرَّ له الفضلاء، وولي قضاء الشام بعد الجلال القزويني، فباشره بعفة ونزاهة، غير ملتفت إلى الأكابر والملوك، وولي مشيخة عدة مدارس، وكان محققًا، مدققًا، نظَّارًا، له في الفقه وغيره الاستنباطات الجليلة، والدقائق، والقواعد المحرَّرة، التي لم يُسبق إليها، وكان مُنصفًا في البحث، على قَدَمٍ من الصلاح، والعفاف، وصنف نحو مائة وخمسين كتابًا، مُطولاً، ومختصرًا، وأنجب أولادًا أعلامًا.

وتُوفي بمصر، بعد أن قدم إليها من الشام، وسأل أن يُولَّى القضاء مكانه ابنُه تاج الدين، فأُجيب إلى ذلك. وكانت وفاته سنة ست وخمسين وسبعمائة، رحمه الله تعالى، وغفر له.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير