تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد كان بينه وبين شيخ الإسلام ابن تيمية، ثم تلاميذه من بعده مُناظرات، وردود لا تخفى على طلبة العلم إن شاء الله. وكان منها ما هو بسبب الاعتقاد، ومنها ما يتعلق ببعض الفِقهيات. لكنه كان شديد التوقير لشيخ الإسلام، لغزارة علمه، وشدة زهده.

ولمعرفة المزيد عن المصنف، انظر: طبقات الشافعية الكبرى لابنه تاج الدين (10/ 139 _ 339)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شُهبة (3/ 37 _ 42)، والدُّرر الكامنة (3/ 63 _ 71)، وشذرات الذهب (6/ 180، 181)، والصارم المُنْكِي لابن عبد الهادي، رحمهم الله جميعا.

والرسالة التي بين أيدينا ذكرها ابنه تاج الدين في الطبقات (10/ 311)، وحاجي خليفة في كشف الظنون (2/ 1364) باسم " القول المحمود في تنزيه داود عليه السلام " كما هو مُثبت على الغُلاف، لكن في النسخة التي اعتمدتُ عليها في نشر الكتاب _ وهي النسخة المطبوعة بالمطبعة الدُّخَانية بمُلتان بالهند سنة 1340 هـ " القول المحمود في تبرئة داود عليه السلام ". ومن المعلوم أن الخَلْط بين كلمتي تبرئة وتنزيه واردٌ جدًا لاتفاقهما في الرسم، واختلافهما في النَّقْط والهَمْز. و قد أشرتُ إلى هذا فيما عَلَّقْتُه على " تسفيه الغبي في تنزيه ابن عربي " للعلامة إبراهيم الحلبي، يسر الله تعالى إتمامه، و نفع به.

والرسالة مطبوعة ضمن مجموع يشمل: مسند عمر بن عبد العزيز للبَاغَنْدِي، ورسالة المُسَارعة إلى المُصَارعة للسُّيوطي. وتقع رسالة القول المحمود في الصفحة الأخيرة من المجموع. ولم يتيسر لي العثور على نسخة مخطوطة لها فاكتفيت بالمطبوعة لجودتها، نسأل الله أن ينفع بها.

الحمد لله رب العالمين

تكلم الناس في قصة داود عليه السلام، وأكثروا، وذلك مشهور جدًا، وذكروا أمورًا، منها ما هو منكرٌ جدًا عند العلماء، ومنها ما ارتضاه بعضهم، وهو عندي مُنْكر. وتأمَّلْتُ القرآن، فظهر لي فيه وجه، خلاف ذلك كله. فإني نظرت قوله تعالى: ?فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِك? [ص: 25] فوجدته يقتضي أن المغفور في الآية، فطلبته، فوجدته أحد ثلاثة أمور: إما ظَنُّه، وإما اشتغاله بالحكم عن العبادة، وإما اشتغاله بالعبادة عن الحكم، كما أشعر به قوله:) الْمِحْرَابَ (() [ص: 21]. ذلك أنه صَحَّ عن نبينا صلى الله عليه وسلم أن داود أعبد البشر (). فكان داود ذلك اليوم انقطع في المحراب للعبادة الخاصة بينه وبين الله، فجاءت الخصوم، ولم يجدوا له طريقًا، فتَسَوَّرُوا إليه ()، وليسوا بملائكة، ولا ضُرِبَ بهم مَثَلٌ، إنما هم قومٌ تخاصموا في النِّعاج على ظاهر الآية (). فلما وصلوا إليه، حكم بينهم. ثم في شدة خوفه، وكثرة عبادته، خاف أن يكون الله تعالى قد امتحنه بذلك، إما لاشتغاله بالعبادة عن الحكم ذلك اليوم، وإما لاشتغاله بالحكم عن العبادة تلك اللحظة. فظن أن الله تعالى فتنه، أي امتحنه واختبره، هل يترك الحكم للعبادة، أوالعبادة للحكم؟ فاستغفر ربه. فاستغفاره لأحد هذين الأمرين المَظْنُونَين، ليجيء تَعَلُّق الظن بأحدهما. قال الله تعالى:) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ ([ص: 25]. فاحتمل المغفور أحد هذين الأمرين. واحتمل ثالثا، وهو ظنه أن يكون الله لم يُرد فتنته، وإنما أراد إظهار كرامته. وانظر قوله تعالى:) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآب ([ص: 25] كيف يقتضي رِفعة قَدْرِه؟ وقوله:) يَا داودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً ([ص: 26] يقتضي ذلك، ويقتضي ترجيح الحكم على العبادة. وعلى أي وجهٍ من الأوجه الثلاثة حَمَلْتَه، حَصَل تبرئة داود عليه السلام، مما يقوله القُصَّاص ()، وكثير من الفضلاء. ومناسبة ذِكر الله تعالى قصته في سورة " ص" (): أنهم لما قالوا ?أَأُنزِل عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا? [ص: 8] كان في ذلك الكلام إشعارٌ بهَضْم جانبه، فغَارَ اللهُ لذلك، وبَيَّن أنهم ليس عندهم خزائن رحمته، ولا لهم مُلك، وأنهم جُندٌ مهزومون. وكأنه يقول: وما قَدْرُ هؤلاء؟ ?اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ? [ص: 17] واذكر من آتيناه الدنيا والآخرة، وهو أخوك، وأنت عندنا أرفع رتبة منه. وفي ذلك تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم من وجهين، أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا شك أنه يفرح لإخوته الأنبياء بما يَحْصُلُ لهم من الخير، كما لو حَصَل لنفسه، سواءً بسواءٍ، وأكثر. والثاني: أنه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير