دلت هذه الأحاديث على سنية دعاء الاستفتاح بهذه الصيغة إلا أن رواية أبي سعيد هذه تدل على أن ذلك كان قي قيام الليل، وأن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان يجهر به بين يدي أصحاب رسول الله ? فلم ينكر عليه أحد منهم فكان بمثابة إجماعٍ منهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
قال النووي: رحمه الله في المجموع في الكلام على حديث عائشة وأبي سعيد روي عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا يستفتحون بسبحانك اللهم وبحمدك، وأحاديثه كلها ضعيفة، (1) قال البيهقي وغيره: أصح ما فيها الأثر الموقوف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه حين افتتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، رواه مسلم في صحيحه لكن لم يصرح أنه قاله في الاستفتاح بل رواه عن عبدة أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات، قال أبو علي الغساني هذه الرواية وقعت في مسلم مرسلة لأن عبدة بن أبي لبابة لم يسمع من عمر، ورواه البيهقي بإسناده الصحيح متصلاً، (2) وفي روايته التصريح بأن عمر قاله في افتتاح الصلاة، (3)
قال ابن القيم وسبب اختيار الإمام أحمد لهذه الصيغة على غيرها من الصيغ الواردة عن النبي ? لعدة اعتبارات:
1 - منها جهر عمر به يعلمه الصحابة.
2 - ومنها اشتماله على أفضل الكلام بعد القرآن، فإن أفضل الكلام بعد القرآن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاَّ الله والله أكبر وقد تضمنها.
3 - ومنها أنه استفتاح أخلص في الثناء على الله، وغيره متضمن للدعاء، والثناء أفضل من الدعاء.
4 - ومنها أن غيره من الاستفتاحات عامتها إنما هي في قيام الليل في النافلة، قال وهذا كان يفعله، ويعلمه الناس في الفرض.
5 - ومنها أن هذا الاستفتاح إنشاء للثناء على الرب تعالى، متضمن للإخبار عن صفات كماله، ونعوت جلاله ().
قلت: قوله: أن عامة الاستفتاحات غير حديث عائشة كانت في قيام الليل فيه نظر: فإن حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه المتفق عليه في دعاء الاستفتاح الآتي بلفظ (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. . .) الحديث كان يقوله في الفرض، ولم يقل أحد أنه كان في قيام الليل في النافلة، بل كان في الفريضة قطعاً بالاتفاق.
استدل أصحاب القول الثاني:
بحديث عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه عن رسول الله ? أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلاَّ أنت، أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً إنه لا يغفر الذنوب إلاَّ أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلاَّ أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلاَّ أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك. . .) الحديث. ()
استدل أصحاب القول الثالث بما يأتي:
الدليل الأول:
عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي ? وأبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما (كانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين) ()
وفي لفظ لمسلم قال: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها"، وفي لفظ له: فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم) ()
وجه الدلالة:
أن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه صحب النبي ? عشر سنين وأبي بكر وعمر وعثمان خمساً وعشرين سنة، فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، فدل ذلك على أنهم ما كانوا يقرؤون دعاء الاستفتاح في الصلاة.
الدليل الثاني:
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ? دخل المسجد فدخل رجل فصلى فسلم على النبي ? فقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل) ثلاثاً، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني، فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم إقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ثم ارفع حتى تعدل قائماً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، وافعل ذلك في صلاتك كلها) ()
وجه الدلالة:
¥