تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وخضوع الأنثى للفحل أمر جعله الله في طبع كل أنثى من الحيوان الأبكم والناطق، ولا سبيل إلى إزالته عنها، لأنها لا تقدر أن تكون أنثى بدونه، كما جعل الله في طبعها الدلال والغنج أيضا، فهذان الخلقان معجونان في فطرتها.

هذا ولا تستغني المرأة عن حماية الرجل ولو في أرقى الأمم فقد أخبرتني (فراوزلي) في مدينة (بن) أنها حين كان زوجها في قيد الحياة، كان يجرعها غصصا، بسبب خليلة كانت له، ولكن بعد وفاته نسيت كل ذلك وحزنت على فراقه وقد ترك لها فراغا عظيما في كل شيء, حتى إنها إذا كتبت إلى شركة تطلب منها بضاعة تحذف آخر اسمها ليظن المكتب إليه أنها رجل فلا يتهاون بطلبها.

وأخبرتني أيضا أنه يأتي إلى بابها أحيانا بعض المساكين الذين يسألون الصدقة على الأبواب خلافا للقانون، فترحم السائل ولا تحب أن ترده، ولكنها تلقي إليه الفلوس من شق الباب، وتخاف أن تفتح له الباب، فيكون لصا في صورة سائل.

وكانت لي في برلين جارة لها ثلاثة أولاد صغار، فكنت حين أسمع صفارة الإنذار أسمع معه بكاء المرأة وأولادها! لأن عليها أن تملأ سطلا كبيرا تعده لإطفاء الحريق وتوقظ أولادها الثلاثة، وتلبسهم ثيابهم، وتأخذ لهم شيئا يأكلون وشيئا يشربون، لأن مدة الغارة قد تدوم ست ساعات أو أكثر، وفي ذلك الوقت - وهو من أول الحرب إلى سنة 1942 - كانت الغارات الجوية لا تأتي في الغالب إلا ليلا.

وبهذه المناسبة أذكر أن الغارات في أول زمان الحرب كانت قسمين: غارات روسية، وعلامتها أن تأتي بعد الغروب بنصف ساعة لقرب الروس، وهذه لم يكن الألمان يخافون منها، وأكثرهم لا ينزلون إلى الملاجئ وغارات إنكليزية، وهذه كانت تفتك فيهم فتكا ذريعا، وكان الألمانيون يحسبون لها حسابا وأي حساب.

قلت: إني كنت أسمع بكاء تلك الأم وأولادها، ولم يكن لها جار من الرجال غيري، فكنت آخذ أحد الأولاد في يدي وننزل الدرج، وفي أكثر الأحيان لم تكن الغارة الجوية تمهل هذه المرأة حتى تستعد للنزول، فكانت رعود الغارة والمدافع المضادة لها وبروقها تبتدئ قبل نزولنا، فكان هؤلاء المساكين يتوقفون مرتجفين عن عبور المسافة التي بين دهليز الدرج وباب السرداب لأن هذه المسافة مكشوفة تحت السماء بلا حاجب، فكنت أشجعهم حتى يعبروا، فإذا نزلت معهم أربع درجات من السرداب رجعت، لأني لم أكن أختبئ من أجل خصومة وقعت بيني وبين مراقب المخبأ, وفعلا وقعت القنابل على تلك الدار واحترقت الغرفة التي كنت أنام بها بما فيها، ولكن بعد خروجي من ألمانيا.

ولو ذهبنا نعدد الأدلة على حاجة المرأة إلى قوامية الرجل وحمايته لطال بنا القول.

وأما قساوة أرقى الأوروبيين من الأمم على النساء وعدم الرحمة والرفق بهن، فحدث عن البحر ولا حرج.

فمن ذلك أن العادة جارية عندهم بأن المرأة لا تقدر أن تتزوج حتى تحضر صداقا أقله خمسة آلاف مارك، وأكثره لا حد له، ومن أسعدها الحظ بالتزوج فعلى حسب مالها تقدر أن تجد زوجا ملائما لها، لأن الزوج لا يرغب في المرأة لجمال ولا لدين ولا لحسب، بل يقدم المال على ذلك كله.

فترى المرأة تقضي شطرا كبيرا من شبابها في العمل لجمع المال الذي به وحده يكون لها بعض الأمل في الزواج، ففي برلين تشتغل الخادمة بثلاثين (ماركا)، وفي المدن الصغيرة بعشرين (ماركا) مع أكلها في كل شهر، وتضيق على نفسها فتحرمها من كل شيء لتجمع صداقا، وقد تكون أم عجوز ضعيفة لا بد لها أن تساعدها من ذلك الراتب القليل ببعض الماركات، فكم يجب عليها أن تخدم من السنين حتى تجمع آلاف الماكرات؟ وإذا جمعت مقدارا يمكنها من التزوج بفقير مثلها، تحتاج إلى أن تؤم المجتمعات كدور الرقص والسينما وغيرها، وإذا وجدت فرصة للحديث مع رجل تغتنمها.

والعادة جارية بأن الرجل هو الذي يدعو المرأة للرقص، وهو الذي يبدأها بالكلام فقد تذهب إلى ناد من الأندية التي يجتمع فيها الناس وتنفق شيئا من المال، وهي به جد ضنية، فتدخل دار السينما أو القهوة، أو المطعم، أو دار الرقص، ولا تظفر بأحد أصلا فتعود خائبة، ثم تنتظر حتى تجد فرصة أخرى، لأن مثل هذه الفرصة لا تتيسر لها في كل يوم، بل أحسن أحوالها أن تتيسر لها في الأسبوع مرة.

وإذا ساق الحظ لها واحدا فقد يكون مخالفا لها في الدين، وقد يكون مخادعا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير