ويقول السير سايكس - أحد الثنائى الشهير سايكس بيكو " ظن الأتراك أن فتح القسطنطينية تاجاً يزين مفارق الترك، ولكنه كان فى الواقع ضربة قاصمة لهم، حيث ورثوا مفاسد بيزنطة، ومساوئ أبنائها من الخصيان، والجواسيس، والمرتشين، والوسطاء، إذ ظل هؤلاء جميعاً كما كانوا " ().
وعلى الرغم مما كان بين أوروبا والمسلمين من صراعات الحروب الصليبية، فإن الغرب لم يجد بدا من التعامل التجارى مع المجتمعات الإسلامية، وأشهر المراكز التجارية فى ذلك الحين هى تلك التى تقع تحت السيادة الإيطالية اليوم.
ثم حدث أن سقطت صقلية فى العام 1076م وبسقوطها فقد المسلمون نفوذهم على كامل إيطاليا () ولكن حضارتهم كانت من القوة بحيث لم تفلح معاهدات البابا مع ملوك صقلية " النورمان " فى إحلال القيم والتقاليد الكنسية محل القيم والأعراف السائدة فى هذه البلاد. () فبقيت النظم الإسلامية قائمة، واستمر التدفق الحضارى فى الزراعة والصناعة والتجارة فى ظل نظام مثالى فى الضرائب والاقتصاد ولم تنقطع صلات أهلها بأخوتهم فى الشرق، بل واتجهوا إلى إقامة علاقات تجارية مع الغرب فى جنوب فرنسا، حيث إمارات العرب ().
وفى العام 1085 سقطت طليطلة فى يد الملك ألفونسو فاتصلت حلقات القيم المتأصلة فى الوجدان الشعبى، وبدأت أوروبا ترصد معاملات جديدة وحلولا لم تكن تعرفها () ومن ذلك:
1 - التعامل بالسفاتج:
والسفاتج جمع مفرده سفتجة – بفتح السين والتاء أو بضمهما، أو ضم السين وفتح التاء وهو الأشهر – وهى كلمة معربة من الفارسية.
وتعنى السفتجة " معاملة مالية يقرض فيها إنسان قرضا لآخر فى بلد ليوفيه المقترض أو نائبه أو مدينه إلى المقرض نفسه أو نائبه أو دائنه فى بلد آخر معين" ()
إذا هى تعامل قائم على مفهوم الحوالة ()، وعنها يقول الأستاذ هيفلان "إن الحوالة الإسلامية من المرونة بحيث تؤدى فى نفس الوقت وظائف عدة، فهى تؤدى وظائف الإحالة والتنازل عن الحق، والوكالة بالقبض، والوكالة بقضاء الدين، وفتح الاعتماد " ().
ومن جانب آخر فإن الحوالة وأشباهها تقوم على أساس التسليم بنقل الالتزام بين الأحياء، وهو الأمر الذى يبنى على الأخذ بفكرة مادية الالتزام، ونظرا لأن الرومان نظروا إلى الالتزام باعتباره رابطة بين شخصين فقد ترتب على ذلك عدم صحة انتقاله لا إيجابا ولا سلبا إلى غيرهما، وقد حاول الرومان التخفيف من ضيق هذه النظرة بوسائل متعددة لا تسلم جميعها من النقد ().
وعن طريق الحضارة الإسلامية عرفت أوروبا " الحوالة " وهى مفرد شائع الانتشار فى اللغات الأوروبية () وفى القرن الثالث عشر الميلادى كان يجرى التعامل بالسفاتج فى المدن الإيطالية.
ونظرا للدور الذى تلعبه الحوالات والسفاتج فى التجارة ووظائف الدولة المالية من تخفيف أعباء النقل وسرعته، وسقوط خطر الطريق، وتمويل الصادرات والواردات إلى غير ذلك، لم يكن بوسع المجتمع التجارى الشاب فى الشمال الإيطالى إلا النزول على العرف التجارى الإسلامى والاستجابة لمقتضياته، وإن مضى زمن طويل قبل أن يصل الصراع إلى نهايته، وتستقر الحوالة والسفتجة كمبادئ جديدة فى الكيان القانونى العام ().
2 - الأخذ بنظامى القراض وبيع العينة:
القراض أو المضاربة معاملة تجارية شهيرة فى الربوع العربية والإسلامية، ولها فى حديث الفقهاء حظ وافر تبرزه المتون قبل الشروح، حتى لا يظن بمن يطالع متن الإمام ابن أبى زيد القيروانى المالكى المتوفى فى حدود (386هـ – 984م) أن تغفل عينه أحكامه، ونص عبارة النفراوى صاحب الفواكه على هذا المتن: " والقراض جائز بإجماع المسلمين، وهو بكسر القاف مشتق من القرض، وهو القطع سمى بذلك لأن المالك قطع للعامل قطعة من ماله يتصرف فيها بقطعة من الربح، وهذا اسمه عند أهل الحجاز، وأهل العراق لا يقولون قراضا، وإنما يقولون المضاربة، وكتاب المضاربة بدلا من كتاب القراض، أخذوا ذلك من قول الله تعالى " وآخرون يضربون فى الأرض " () وذلك أن الرجل فى الجاهلية كان يدفع إلى الرجل ماله على الخروج به إلى الشام أو غيرها، فيبتاع المبتاع على هذا الشرط.
¥