ولا خلاف فى جواز القراض بين المسلمين كما قدمنا، وكان هذا فى الجاهلية فاقره الرسول ? فى الإسلام، لأن الضرورة دعت إليه لحاجة الناس إلى التصرف فى أموالهم وليس كل أحد يقدر على التنمية بنفسه، فاضطر إليه لاستنابة غيره، ولعله لا يجد من يعمل فيه بأجره، فرخص فيه، وعرفه ابن عرفه بقوله: تمكين مال لمن يتجربه بجزء من ربحه، لا بلفظ الإجارة، فيدخل فيه بعض المفاسد كالقراض بالدين أو الوديعة …. وجواز القراض مستثنى من الإجارة المجهولة المدة، والكمية، ومن السلف بمنفعة " ().
وواضح من عبارة النفراوي ما في القراض من أوجه المصلحة لرأس المال والتجارة وعمالها، فضلا عن كونه أحد المخارج المشروعة من الربا.
ولأن السائد () في العصر الوسيط – أن النقد لا يلد النقد ()، وهو على إطلاقه – الأرسطى – يعم الربا – الذى حرمه المسيح عليه السلام بقوله "وأقرضوا وأنتم لا ترجون شيئا، فيكون أجركم عظيما " () – كما يعم المشاركة بالمال دون العمل، وهو جمود يؤدى إلى ركود حركة رأس المال، ومنع استغلاله إلا بمجهود صاحبه مستقلا أ و مع غيره، ومن البدهى أن ليس كل أحد يقدر على التنمية بنفسه.
وما إن تحرر الفكر الوسيط من مفهومه الجامد للقنية " الكنز " ونما نشاطه التجارى مع المسلمين بخاصة، إلا وشرع يبحث عن الحل التوفيقى بين حرمة الربا وحاجات التجارة، فوجده فى نظام المضاربة commenda ( ) ، وظهر تبرير هذا النظام فى كتابات توما الاكوينى () وقد اعترف المستشرقون بالأصل الإسلامى للـ commenda وأن القراض والمضاربة هو الأصل فى كثير من عقود الشركات ().
3 - بيع العينة: أما الـ Mohatra المخاطرة أو البيع المزدوج () فهو ما عرف فى الفقه الإسلامى باسم " بيع العينة " ().
وهى معاملة ظاهرها " بيع " والقصد منها التحايل على الربا، وصورتها: أن يرغب شخص فى أن يقترض من آخر، وهو لا يرغب أن يقرضه بدون فائدة، فيلجأ إلى حيلة توسيط بيع ليبدو مشروعا، وذلك كأن يشترى المستقرض من المقرض شيئا بألف مثلا مؤجلة إلى سنة وبعد تمام العقد، يبيع المستقرض نفس الشئ إلى المقرض بأقل من ألف حالة، ويقبض الثمن.
فتكون نتيجة هذا التصرف أن المستقرض قبض أقل من ألف والتزم برد ألف كاملة.
وقد اختلف فقهاء الإسلام فى هذا التصرف، فمنعه الجمهور للذريعة، وأجازه الشافعى وأبو ثور وأهل الظاهر وبعض الحنفية، باعتبار ظاهر التصرف، وحمل الناس على التهم لا يجوز، فمتى لم ينكشف قصدهم فلا سبيل لمؤاخذتهم.
ومذهب المجيزين ووجهه مبثوث – فيما طالعت – فى البداية لابن رشد () والمحلى لابن حزم () وصلة الغرب باجتهادات ابن رشد لا يلحقها أدنى شك ()
4 - الأخذ بنظام السمسرة:
ذكر الأستاذ جوزيف شاخت أن كلمتى sensalis , sensale وهى فى الألمانية ذات اللهجة النمساوية sensale جاءتا من الكلمة العربية سمسار، وهو المضارب أو الوسيط التجارى ().
والسمسار والدلال فى الأصل هو القيم على الأمر الحافظ له، ثم استعمل للمتولى فى البيع والشراء لغيره ()، لذا قد يعبر عنه باصطلاح: الأجير على البيع ().
وعلى ما ذكر الإمام السمعانى فإن السمسرة من الحرف التى كانت على عهد النبى صلى الله عليه وسلم ()، ونقل عن الجاحظ فى المراتب والأخطار أن السماسرة آخر طبقة من طبقات المحترفين، قال " وأما السماسرة والدلالون وأصحاب النداء فقوم أجراء لا فى أعداد التجار، ولا فيمن لهم الحرف والصناعات، لا قيم لهم ولا أقدار، ولم نسمع لهم ذكرا فى أشعار " ().
ويبدو أن ما ذكره الجاحظ كان بالنظر إلى زمانه، لأنا وجدنا ابن الأخوة (المتوفى سنة 729 هـ –1329 م) يذكر فى أحكام الحسبة أن السماسرة ذوو منزلة وقدر وخبرة، قال " ينبغى أن لا يتصرف أحد من الدلالين حتى يثبت فى مجلس المحتسب ممن يقبل شهادته من الثقاة العدول من أهل الخبرة أنهم – أى الدلالين – أخيار ثقات من أهل الدين والأمانة والصدق فى النداء، فإنهم يتسلمون بضائع الناس ويقلدونهم الأمانة فى بيعها " ().
¥