تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وما دامت مجتمعاتهم الأولى متبربرة همجية - كما ذكر المؤرخون - فهل يغفل ولاتها عن معارف هؤلاء وهم قادة الجيش، وأصحاب الشرطة، و أصحاب الخيل والنظر؟ وإن غفلوا فهل يقعد هؤلاء عن طلب المجد والسؤدد، وقد كانوا أصحاب الصدارة فى المجتمع الراقى؟.

لقد قال ديوارنت " وأغفلت إيطاليا تحت حكم اللومبارد، وغالة تحت حكم الفرنجة، وإنجلترا تحت حكم السكسون. وأسبانيا تحت حكم القوط أغفلت هذه البلاد كلها أوامر جوستنيان " () إذن فما هى الأوامر المرعية؟ أيبعد أن تكون آداب الإسلام التى ربى عليها ومارسها الإداريون الصقالبة؟.

ومن جانب آخر فإن شاخت ذكر من بين ما ذكر أن الصيغ العربية فى الوثائق والعقود ظلت إلى ما بعد سقوط طليطلة بحوالى قرنين من الزمان، وطليطلة دون قرطبة – رأس الحكم – دون شك.

وكل ذلك يحتم على المشرعين المولعين بحكمة " السادة العرب " النزاعين إلى احترام العقل ومراعاة الأعراف، ونقد القانون الكنسى أن يكون لهم مثال مرعي اكتسب صلابة وقوة واحتراما.

صقلية ودورها فى النهضة الأوربية:

بعض الغربيين قالوا " فى صقلية ولدت أوربا " () ومعروف أن صقلية شرفت بالحكم الإسلامى قرابة ثلاثة قرون تمكن فيها النظام والسلوك الإسلاميين لدرجة جعلت النورمان الغزاة ينكثون بمعاهدتهم مع البابا فى إحلال التقاليد المسيحية محل التقاليد الإسلامية، وأصبح المنتصرون عبيدا للمغلوبين.

وبفضل النظم الإسلامية، والإداريين المسلمين، والاتصال الوثيق بعلماء الإسلام أصبح ملوك صقلية هم ملوك أوربا، حتى قيل عن روجر الثانى (1110 - 1154) إن مملكته هى أول دولة عصرية حديثة، وأنه تمكن وهو أًصغر ملك فى أوروبا أن يصير أغناهم، وذلك بفضل العرب ومهارتهم فى الزراعة، ونشاطهم فى الصناعة، ونظامهم المثالى فى الضرائب والاقتصاد، وبواسطة المسلمين أسس الكثير من المدارس العالية، التى بثت علوم المسلمين فى كل أنحاء إيطاليا وبقية البلاد الغربية ().

وبقى السمت الإسلامى غالبا على صقلية حتى إن ابن جبير ليروى عن حاكم صقلية فى العام 1185م – أى بعد أكثر من قرن من خروج المسلمين منها – أنه يتشبه بالمسلمين فى ترتيب قوانينه، ووضع أساليبه " ().

وقد عمدت الكنسية إلى التخلص من النورمان وأحلت محلهم الجرمان عساهم يكونون أحرص على التقاليد المسيحية التى لفظها النورمان، وشاءت إرادة الله أن تقر البابوية على رأس صقلية الإمبراطور فردريك الثانى " تولى 1220 – 1250 "، وعاهدته على أن يوافق على توسيع الدولة الكنسية على حساب الإمبراطورية، وأن يمتنع عن التدخل فى الانتخابات الأسقفية فى ألمانيا.

وغفل البابا " أنو سنت الثالث " أن " فردريك الثانى " تربى يتيما فى حجور المسلمين، وتتلمذ على أيديهم وكان متهما بالميل إلى عقيدتهم.

ولا تكاد الدراسات القانونية تذكر فردريك هذا فى عصر النهضة بعامة، والقانونية بخاصة، لما عرف عن هذا الإمبراطور من ميول إسلامية واضحة، حتى قيل إن قبره فتح عام 1876 فوجد مكفنا فى أردية إسلامية، وبجانبه سيفه فى غمده العربى، وعلى معطفه التاريخ الهجرى فقط ().

الغاية أن فردريك كانت له مشاركات فى الحروب الصليبية فى الشرق، فجمع إلى فقه مالك – المورث فى الأندلس وصقلية– فقه الأحناف وغيرهم فى سوريا، وكانت له - كما قيل – مناقشات مع وفود الملك الكامل الأيوبى تطرقت إلى تنظيم الدولة وإداراتها حسب الأنظمة العربية.

ومن هنا فإن فردريك لم يكتف بالإبقاء على النظم العربية المرعية من قبل النورمان، وإنما جاوز ذلك إلى مرحلة ما سمى بالتشريعات الثورية.

" وما كان يخرج به على الملأ من صقلية من مشروعات ثورية لم يكن سوى طراز حديث لمجتمع سياسى على الطراز الشرقى، إن فردريك كان عدوا لدودا للكنيسة والمدنية المؤسسة على النظام الكنسى التى كانت سائدة فى أوروبا" ().

والشئ الأهم كما يعترف المؤرخون أنه " فى هذا العهد حدث نشاط ملحوظ فى قلب ألمانيا من الناحية العقلية وغيرها، فقد تم فى هذا العهد تقنين القوانين، وفيه ظهرت لأول مرة الشانزبيجل، وهى أول مجموعة للقوانين الإمبراطورية والقوانين الإقليمية " ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير