وأن سبيل فهم نص الواقف هو مصطلحه ثم لغته ثم عرفه.
وتّخرَّج على هذا مسألة وهي لو وقف على الفقراء من يرى أن عادم بيت المثل فقيراً: جاز لناظر وقفه أن يُعطي مَنْ هذه صفته من ريع هذا الوقف، ولو كان حد الفقر في الشريعة لا ينطبق عليه؛ لأننا استنبطنا مراده من عرفه المطرد.
ثم ذكرت جملة من كلام أهل العلم ممن قال بذلك.
كما ظهر لي في هذا المبحث أن متأخري الحنفية اعتبروا دليل الخطاب في نصوص الواقفين؛ بخلاف اختيار متقدميهم.
كما بينت أن اللغات ـ حتى الأعجمية والعامية منها ـ إنما يُبنى فهم مقاصد المتكلمين بها على قواعد مشتركة يُعتبر فيها النص والظاهر والمجمل والمبين والعام والخاص والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ ومباحث اللغة؛ كالاشتراك والترادف والتضاد والترتيب والفور والتراخي والاستثناء، وكذلك المنطوق والمفهوم مخالفاً وموافقاً.
ويُعتبر فيها أيضاً قواعد التعارض، وما ينتج عنها من الجمع أو النسخ أو الترجيح، كما يُعتبر العرف.
وأن مباحث أصول الفقه وقواعده هي طريق فهم كلام الناس، ولهذا قال
العلماء: إن نص الواقف كنص الشارع، من حيث الفهم والدلالة.
ثم ذكرت فيه بعض فروع هذه الأصول والقواعد.
كما تضمن المبحث الثالث: ذكر الشروط الباطلة.
ومنها: الوقف على ما حُرم لعينه، أو حرم فعله كبدعة.
وكل شرط يُخل بمقاصد الشريعة في رعاية الوقف، وذكرت أمثلة.
ومنها اشتراط ما يفضي إلى مفاسد: كتمييز الواقف بين الناس بسبب مذاهبهم؛ كالوقف على أتباع مذهب معين، وكلام بعض العلماء في ذلك.
وأن الوقف على مباح مستوي الطرفين، أو ما لا فائدة فيه للواقف غير لازم للأدلة والتعليلات المفصلة في البحث.
وأن الوقف على مكروه: باطل أيضاً؛ لما ذُكر من التعليلات.
كما تضمن المبحث الرابع: ذكر الشروط الجائزة.
وحكم تصرف الناظر والحاكم في الشروط الجائزة
وأن من التصرف المعتبر رعاية ضرورة الوقف، دون المساس بعينه، وهو قول أكثر أهل العلم؛ كالخوف على عين الوقف من الفساد أو الاضمحلال؛ فللمتولي في
هذه الحال أن يُعرض عما في شروط الواقف إذا كانت تمنع هذا الإصلاح، وذلك حتى تُرفع حال الضرورة، ويُدرء الخطر المحدق بالوقف.
ومنها التصرف رعايةًً للأصلح سواء كان ذلك في العين أو الشروط أو المعينات أو الموقوف عليهم.
وذكرت أن للعلماء في ذلك اتجاهين مشهورين بالمنع والجواز ورجحت ما اختاره الإمامان ابن تيمية والشوكاني وغيرهما من أن الأصل وجوب العمل بشروط الواقفين إلا إذا ظهرت مصلحة أكبر للوقف أو الموقوف عليهم؛ فإن ظهرت جاز للمتولي أن يصير إليها. وبينت الفرق بين عمل ناظر الوقف في ذلك وبين عمل من يتولى الأموال العامة من السلاطين.
وذكرت تعليل ذلك، وأن يُضبط هذا بأن يكون هذا التصرف بتحقق أمرين لا يصح إلا بهما: طلب الناظر، وإذن المحكمة.
ثم ذكرت أمثلة للتصرف في الوقف للمصلحة ومنها:
1. نقل الوقف من مكان إلى مكان.
2. تغيير عين الوقف من عين إلى أخرى.
3. تغيير نشاط الوقف الاستثماري المنصوص من الواقف من نوع إلى آخر.
4. دمج أعيان الأوقاف المتعددة.
5. صرف الريع إلى جهة أكثر نفعاً [ a1] ، وأعظم أجراً للواقف.
6. استثمار ما يفيض من ريع الوقف.
كما تضمن المبحث الخامس: موقف الناظر من الشروط المختلف في صحتها وهي محل اجتهاد، وأنه لا يجوز أن تُبطل الشروط أو يُمتنع عن توثيقها؛ لمجرد أن اجتهاد الناظر أو الحاكم يقتضي بطلانها.
وذكرت هدي السلف في ذلك من الصحابة والتابعين وعزوت إلى كلام بعض أهل العلم في ذلك.
هذا وأسأل الله أن ينفعني به وأن يغفر خطأي وعمدي وكل ذلك عندي، الله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قائمة المراجع
الاتباع، ابن أبي العز، عالم الكتب، 1405هـ.
الاعتصام الشاطبي، ابن عفان، 1417هـ.
إدرار الشروق (حاشية الفروق للقرافي)، ابن الشاط، دار الكتب العلمية، 1418هـ.
أسنى المطالب، زكريا الأنصاري، دار الكتاب الإسلامي.
الأشباه والنظائر، السيوطي، دار الكتب العلمية، 1403هـ.
إعانة الطالبين، الدمياطي، دار الفكر.
إعلام الموقعين، ابن القيم، دار الجيل.
الإنصاف، المرداوي، دار إحياء التراث.
¥