يدندن المعترض في هذا الكتاب , بل وعامة كتبه على إعلاء شأن الضعيف ورواته , ومعارضة أقوال المجرحين , أو على الأقل تفريغها من مقصودها بالتحريف والتأويل الباطل , لذلك يلجأ لبتر الكلمات التي لا تؤيد منهجه حين ينقل أقوالهم.
ويمكن تلخيص محاوره في:
1 - تعديل مراتب الرواة.
2 - التأصيل للاحتجاج بالضعيف مطلقًا.
3 - تقديس أهل التصنيف.
قالمحور الأول: هو المدخل للتلاعب في الحكم على الأحاديث , فهو مخالف على الدوام لمنهج المحققين من أهل الحديث , فيُصحح ويُحسن ما اتفقوا على ضعفه ونكارته.
لذا فهو يبدأ بتعديل درجة الراوي المجروح فقط , فيرفعه إلى مرتبة أعلى مما هو أهلٌ لها , والتي أنزله أهل العلم فيها.
فالرواة المتروكون الذين لا يصلحون لشيء يتمحل لرفع مرتبتهم إلى درجة ((ضعيف)) ,
حتى يتمكن من الاعتبار بمروياتهم.
والمكذب منهم كالشاذكوني: إما ينفي ذلك عن الراوي , وإما يؤول ذلك كما فعل
في حالة يحيى بن عبد الحميد الحماني.
وادعى أن الراوي يستشهد به ما لم يُجمع على تركه.
وارتفع بالراوة كلهم إلى الاحتجاج والاعتبار ما لم يكذبوا أو يتهموا على ما سيأتي إبطاله , ودحضه في محله إن شاء الله.
والمحور الثاني: التأصيل للاحتجاج بالضعيف مطلقًا:
يلح فيه على تثبيت أن الضعيف على قدم المساواة مع الصحيح , فيشيع أن الأئمة قد
احتجوا به في الأحكام والفضائل ما لم يكن موضوعًا أو في معناه.
وأفرد لذلك الأمر عدة فصول في المقدمة وهي: الثاني , والثالث , والرابع , والخامس , والسادس من الباب الأول , من صفحة (72 إلى 177).
وفيها اضطربت أقواله , وتململت أفكاره , فتارةً يحاول إثبات الإجماع على أن الأئمة يعملون بالضعيف سوى الموضوع , وما في معناه من حيث كونه ضعيفًا , ثم إنه يحتاج للتعقب على تضعيف الألباني للأحاديث من حيث الأسانيد , فيجعل مجرد عمل الأئمة بالضعيف مقويًّا له , ويستجيز نسبته للرسول صلى الله عليه وسلم , وهذا لم يقله أحد من قبله ممن يؤخذ بقوله من الأئمة ولا غيرهم.
إنما من عمل منهم بالضعيف , ظل الحديث على ضعفه حتى بعد العمل , كما هو مشهور من
قول الإمام أحمد: ((ليس بصحيح , وعليه العمل)).
المحور الثالث: تقديس أهل التصنيف:
أقام المعترض الحصون المنيعة حول كل مصنَّف شرط فيه صاحبه شرطًا , فيصيره كالقرآن لا يجوز التعقب عليه , فإذا صحح الحاكم حديثًا في مستدركه , لا يصح عند هذا المخالف التعقب على هذا التصحيح من قبل أي ناقد , لأن المتعقب عليه ينازع المصنف في شرطه ـ كذا قال!! وكذا يفعل مع جميع المصنفين في الصحاح فقط: كابن خزيمة , وابن حبان , وصحيح ابن السكن ـ مع أنه لم يره ـ والضياء في المختارة. وهو في ذلك لا يُبالي يمتقدم ولا متأخر , فكل من شرط الصحة عنده مقدس لا ينبغي لأحد أن يخدش شرطه , وفي هذا يتعامى عن العلل القادحة الظاهرة كالانقطاع أو الضعف الراجح في الراوي , أو الإعلال من خارج كالوقف والإرسال والشذوذ والنكارة , فتراه يدفع التدليس مثلاً بأن ابن حبان صححه , وهذا مقتضاه أنه اطلع على السماع .... إلخ.
بل الأعجب من ذلك جعله سكوت أبي داود حجة على عدم الاعتداد بالعلة الظاهرة كالانقطاع أو الجرح المبين , مع أن العقلاء قديمًا وحديثًا يعلمون أن هناك ضعيفًا كثيرًا في السنن الأربعة , بل إن أبا داود نفسه صرح بذلك في رسالته لأهل مكة 0
ولما كان غرضه التعقب على الألباني ـ رحمه الله وعفا عنه ـ في ما ضعفه من الأحاديث , كان من أمره أن جعل وجهته نحو الآراء والأقوال التي تدعم هذا الغرض تقليدًا اختياريًّا دون حجة سوى هذا , لذا فهو يتبنى أقوال المصححين والموثقين فقط على حساب أقوال المضعف والمجرح , هذه وجهته هنا تلبية لهواه فقط , لكي لا تذهل عنها.
- دفع وسوسة:
قد يتعاطف البعض مع هذا المخالف عندما يجدني أشتد معه وأصفه بالكذب والجهل .... إلخ.
ودرءًا لهذه الوساوس أقول:
أولاً: المقام مقام نقد , والغالب في هذا الأمر أن تذكر المعايب لا المحامد , سيما مع ساقطي العدالة والمبتدعين.
¥