تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: فهذه ثلاث سنن في الوضوء أنكرها بعض الأئمة والجامع لذلك كما يبدو للمتأمل

أمران:

الاول:عدم ورودها في أحاديث الثقات مع كثرة طرقها والحاجة إلى نقل مثل هذه الأمور في حكم شرعي ضروري كالوضوء.

الثاني: ورودها من طرق لا يحتج به أو من لا يحتمل التفرد , وحفظ ما لم يحفظه

الثقات أفرادًا و مجتمعين.

فمن هنا استنكرها من استنكرها , ورأيه أوجه وأوفق للقواعد , مع أن هؤلاء الأئمة وجد

عندهم العلم بعمل الكثير بهذه الأحاديث , لكن أحمد وغيره يعملون بالضعيف المحتمل ,

أما المنكر فلا يعملون به , وكذا لم يرد في طريق غير هذا تحريك الخاتم , فهو مع شدة

ضعفه منكر فلم يذكره الثقات في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم مع الحاجة الملحة لمثل ذلك.

ومجرد أفعال الصحابة لا يستلزم منها التلقي عن الرسول صلى الله عليه وسلم خاصة في مثل هذه السنن والمباحات التي يكثر فيها الاجتهاد والاختلاف , فمثل هذه الأفعال لا تصلح لتقوية

المرفوع.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم بخاتم منقوش عليه (محمد رسول الله) كما صح عن أنس.

ولم يرد أنه كان يحركه في الوضوء , والصحابة لا يدعون النفس والإشارة عن الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نقلوه إلينا.

ومن هذا الوجه استنكروا حديث ((كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه)).

فهذا من هذا!.

من هدي الأئمة: عدم تقوية المنكر برغم احتجاجهم بمعناه:

مثال: حديث المغيرة بن شعبة في المسح على الجوربين والنعلين.

فهذا الحديث رواه أبو داود (159): حدثنا عثمان بن أبي شيبة , عن وكيع , عن سفيان

الثوري , عن أبي قيس الأودي – وهو عبد الرحمن بن قيس بن ثروان -، عن هذيل بن

شرحبيل , عن المغيرة بن شعبة , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين.

قال أبو داود: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث لأن المعروف عن المغيرة

بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين , وقال: ورُوِى هذا أيضًا عن أبي موسى الأشعري

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين , وليس بالمتصل ولا بالقوي.

وقال: ومسح على الجوربين: علي وابن مسعود والبراء وأنس وأبو أمامة وسهل بن سعد

وعمرو بن حريث , وروى ذلك عن عمر وابن عباس.

فحديث هذيل خطأ , ثم ذكر حديث أبي موسى وضعفه ولم يقوه به , وهذا ظاهر.

ثم ذكر أن المسح على الجوربين وارد عن الصحابة فكان الاعتماد على هذه الآثار لا

الحديث المرفوع عنده , وهذا ما قرره وفهمه ابن المنذر وابن القيم وغيرهما كما سيأتي

.

وهذا الحديث ضعفه الأئمة كلهم. قال ابن القيم في حاشيته على أبي داود (1/ 271 - 272)

: ((وقال النسائي: ما نعلم أن أحدًا تابع هزيلاً على هذه الرواية , والصحيح عن

المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين.

وقال البيهقي: قال أبو محمد – يعيني: يحيى بن منصور – رأيت مسلم بن الحجاج ضعّف

هذا الخبر , وقال: أبو قيس الأودي وهزيل بن شرحبيل لا هذا مع مخالفتهما جملة الذين

رووا هذا الخبر عن المغيرة فقالوا: مسح على الخفين. وقال: لا يترك ظاهر القرآن

بمثل أبي قيس وهزيل)).

ثم نقل أن سفيان الثوري قال فيه: الحديث ضعيف , أو واه , أو كلمة نحوها.

وثمة فرق بين توثيق الراوي وبين قبول أو رد روايته.

فليس معنى أن الراوي (ثقة) أن حديثه كله صحيح , وكذا ليس معنى أن الراوي ضعيف أن

يكون كل حديثه ضعيفًا.

ونذكر أن التخصيص داخل في أغلب الأمور.

فالحكم على الراوي شيء , والحكم على روايته شيء آخر , وهذا كثير في كلام النقّاد.

ولو جعلنا من لازم الحكم بالثقة قبول حديث الثقة ذاك لما كان هناك حديث شاذ أصلاً ,

وكتب المصطلح قد أفردت له بابًا وعنوانًا , وهو ما خالف فيه الثقة ما هو أرجح منه

ثقةً وعددًا! , وحكمه الرد.

فهذا مثال لرد حديث الثقة دون أن يلزم القدح فيه وفي بقية حديثه كما يتوهم البعض.

ولما كان الأمر دائرًا على غلبة الظن , وهو المترجح هنا , فحديث الخفين رواه نحو

الستين تابعيًّا عن المغيرة بن شعبة بهذا اللفظ , بينما انفرد أبو قيس عن هزيل عنه

بهذا اللفظ (الجوربين والنعلين) فهذا أوجه القدح في الرواية وليس الراوي!.

وقد جوّز البعض أن يكون حديث الجوربين حديثًا مستقلاً عن الخفين هربًا من المخالفة

.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير