وقال الحسين الكرابيسي: (مثل الذين يذكرون أحمد بن حنبل, مَثَلُ قوم يجيئون إلى أبي قبيس (جبل بمكة) , يريدون أن يهدموه بنعالهم).
وقال أحمد بن إبراهيم الدورقي: (من سمعتموه يذكر أحمد بن حنبل بسوء فاتهموه على الإسلام).
قال أبو الحسن الهمذاني: (أحمد بن حنبل محنة به يُعرف المسلم من الزنديق)
قال محمد بن فضيل: (تناولت مرة أحمد بن حنبل, فوجدت في لساني ألما , لم أجد معه قرارا , فنمت ليلة فأتاني آت فقال: هذا بتناولك الرجل الصالح , فانتبهت , فلم أزل أتوب إلى الله تعالى حتى سكن).
وانظر هذه الأخبار وأمثالها معها , مروية بأسانيد عدة في (مناقب أحمد) لابن الجوزي, و (تاريخ الإسلام) و (سير أعلام النبلاء) لابن الذهبي, ولم أذكرها ليعتد بها أمثال المؤلف و ينزجر, فإنه لا يؤمن بها ولا بمن رويت له , وإنما ذكرتها للعبرة لا على طريقة المتصوفة الجهلة المتربصين بأهل العلم المصائب , للتشفي والاستغفال والابتزاز , وقد عرفت بالمخالطة والاطلاع التام على الأحوال , ما جرى لأبي البيض من المحن والدواهي منذ ثورته الحمقاء على الإسبانيين إلى أن مات , فبعد الاعتقال والتغريم و الإهانة، امتحن بأمراض السكر و القلب و الضغط , وقاسى منها الشدائد , ثم أزعج عن وطنه وأهله إلى مصر , فتلقى هناك رواجا من العسكر بسبب التقلبات السياسية , ووعدوه و مَنَّوه , فركن إليهم، و اغتر باستدعائه إلى مجلس الأمة , و إجلاسه بشُرفة كبار الضيوف مع بعض الأمراء , و تخصيص سيارة له مع ضابط ملازم , وكان يغيظ بإظهاره ذلك موظفي سفارة المغرب , على أن هذا كله كان بواسطة من يسميه البكباشي حسن , الذي من أجل ذلك وصفه بالولي الصالح الكامل العارف بالله , ثم لم يلبث بعد ذلك إلا قليلا حتى أصيب بمحنة شقيقه عبد الله المعروفة، التي أتت على أحلامه من القواعد , فأصيب بذبحة صدرية قضى منها وهو يهتف باسم النبي صلى الله عليه وسلم , على عادته , ولم يلفظ بكلمة الشهادة , و أمره إلى الله , و العجب أن شقيقه عبد الله أنكر بعد قدومه المغرب عقيدة وحدة الوجود جملة وتفصيلا , كما حدثني من سمعه يجادل فيها شقيقه عبد العزيز.
7ـ وفي رسالة منه له بدون تاريخ قال: (و مسألة وحدة الوجود, لا ينبغي أن تخوض معه (لشخص ناظر الكرفطي فيها) في أدلتها , و عليك بحكاية إجماع أهل الله عليها من عهد آدم!! إلى النفخ في الصور، و كبار العارفين كلهم مصرحون بها).
8ـ وفي رسالة منه إليه بتاريخ (17 محرم 1379)، قال: (وحديث: "إن الله خلق آدم على صورته" له معنيان: أحدهما ما ذكرته في الطباق المطبوع , من أن الضمير عائد على آدم , وأنه خُلق من أول وهلة على هذه الصورة , لا كما يقوله الكفرة , من أن أصل الإنسان كان قردا ثم حصل الارتقاء , و رواية: (على صورة الرحمن)، من تصرف الرواة على حسب فهمهم في الحديث خطأ. و المعنى الثاني: على فرض عود الضمير على الله تعالى , فالله خلق آدم على صورته المعنوية, من كونه عالما قديرا مريدا , حيا سميعا بصيرا متكلما , و إن كان الأمر فيه تجوز , لأن هذه الصفات في الله تعالى غيرها في آدم , إلا أن الله يخاطب العباد بما يفهمون. و هناك معنى ثالث: إذا ذكرت الله كثيرا , وصحبت العارفين , وفتح عليك تعرفه، و هو الحق الذي لا مرية فيه , ولكن إذا عرفته بعد الفتح , فأنت أول من ينكر التصريح به , و يكفر من يعتقده).
قلت: هذا واضح كما ترى, وعيد أبي البيض لتلميذه بعدم البوح بالسر , و أنه إن أدركه بـ (الذوق) يكون أول من ينكره , ويكفر من يعتقده، بشرط الفتح , وهو يشير إلى أنه مفتوح عليه, لإعلانه بالسر ونصرته له باللسان والقلم، ولم يصب بسوء في الدنيا لسقوط حكم الإسلام , وذهاب دولته من الأرض الآن , و لله الأمر من قبل ومن بعد.
¥