(إن ما حكاه الشيخ مرسي من أن الشيخ أحمد نادى عند موته باسم الرسول , أنا أعرف سببه لا الشيخ مرسي: إن أخي السيد أحمد كان من عادته إذا أصابته شدة أن ينادي باسم الرسول , كما هي عادة المتصوفة الجاهلين , فقد كنت معه ذات ليلة وقد أصيب بمرض خطير فصار ينادي باسم الرسول. وأنا أقرأ عليه القرآن ليذهب عنه ما يجد من المرض , فهو كان يستغيث بالمخلوق!! في آخر لحظة من حياته , وذلك أقبح من الموت بالانتحار كما هو معلوم).
الفصل السادس
قوله بأن معية الله تعالى لخلقه مطلقة وليست بالعلم بل بالذات,
وتفويضه في معاني الصفات لا في التكييف
هما في الحقيقة بائقتان:
الفاقرة الأولى: دفع معية الله تعالى لخلقه بالعلم واعتقاده أنها بالذات, و الفاقرة الثانية: اعتقاده وجوب التفويض في صفات الله تعالى.
ومعلوم أن عقيدة السلف الصالح رضي الله عنهم من الصحابة والتابعين، و هم خير الناس كما في الحديث الصحيح: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) , ونصوصهم في ذلك لا تحصى. ومفادها أن الله تعالى فوق عرشه العظيم كما جاءت بذلك الآيات والأحاديث النبوية , وهناك كلمتان زيدتا على الأدلة ولا تعرف عن السلف وهما:
(بذاته)، و (بائن من خلقه). ولا داعي إليهما , وإنما زادهما من زادهما من أهل العلم تحقيقا لمعنى الاستواء , و رد فعل لمنكري علو الله على خلقه من الجهمية وأتباعهم.
ثم النص منهم على أن معية الله لخلقه نوعان: عامة وهي معية العلم , وخاصة وهي للمتقين والمحسنين من عباده , وهي معية نصرة وتأييد مع معية العلم. وفي القرآن آيات كثيرة تفيد النوعين, ومن أجمعها آية العلم كما كان يسميها السلف الصالح، وهي قوله تعالى: (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات والأرض ما يكون ... )، فافتتحها سبحانه بالعلم، وختمها به، فعلم منها أن معية الله تعالى بالعلم لا بالذات.
و الآية قاضية على نظائرها في الكتاب العزيز , وهو يفسر بعضه بعضا. ولكن الشيخ أبا البيض وجد إمامه الأكفر ابن العربي ومن سار على دربه ينعى على من يفسر المعية بالعلم , و يقول: هو تأويل مدفوع. والحق أن المعية بالذات , وتلقفها أبو البيض منه بقوة. وقصر نظره عليها ولج في التعصب؛ لا سيما وقد وجدها مدرجة لوحدة الوجود لأنه إذا اعتقدها الإنسان بالذات يلزمه اعتقاد وجوده ـ تعالى وتنزه عما يقوله المبطلون ـ في كل مكان حتى فيما يحتقر كالحشوش والمزابل والمراحض ونحوها، وهذا يستلزم الحلول , وأهل الوحدة كأبي البيض لا يقولون به فيشطح بهم الخيال والضلال إلى اعتقاد أنه عين هذه الموجودات والأماكن , وهذا سر لجاج أبي البيض وغلوه في الموضوع , ورده للإجماع على المعية بالعلم الذي حكاه ابن عبد البر وابن تيمية وابن القيم لا سيما في كتابه (مختصر الصواعق)
وقد كتب أبو البيض على هوامش نسخته المكية الأولى يصرح بتكذيب هؤلاء الأئمة في حكايتهم الإجماع , وهو لا يستطيع أن ينقضه بنقل واحد صحيح عن أئمة السلف.
ودليله على أن المعية بالذات عموم الآيات الواردة فيها، وقوله تعالى في سورة الواقعة: (فلولا إذا بلغت الحلقوم , وأنتم حينئذ تنظرون، ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرن).
وقد حَرِد وتنمر من رسالة لأبي الفتوح حول هذه الآية، وسخر من عامة المفسرين , وقال كيف يفسرون تبصرون بالعلم. وقد أتي من غلبة الهوى عليه، وإلا فإن البصر يطلق لغة على الإدراك. وإذا كان المعنى بصر الرؤية فالمنفي رؤية الملائكة الحاضرين لقبض الروح. كما أنه استدل بحديث ردده مرارا، وفيه: (لو دليتم بحبل لهبط على الله)، وقد نص العلماء على ضعفه. هذا مجمل ما يتعلق بهذه البائقة.
وأما مسألة التفويض، فإن أبا البيض يذهب إليه , إلا أنه يضطرب في التعبير, فتارة يوهم الإثبات مع التنزيه الذي هو المذهب الصحيح , وتارة يوهم بكلامه التفويض , وهو بدعة كبرى , لأن مآلها الإيمان بصفات لا معاني لها , إن هي إلا جمل وكلمات وحروف مجردة , وأركسهم في هذا الضلال ما روي عن بعض السلف أنهم قالوا: (تمر كما جاءت , وتفسيرها قراءتها).
¥