قال أبو أويس: تأمل كلام هذا الرجل لتعلم أنه يتلقى وحيه من الشيطان، وغاية ما في الأثر –إن صح - أن معاوية ترخص في النبيذ لا الخمر، و قد شربه معه بريدة، ومعلوم أن عرب الجاهلية كان معظمهم يشرب الخمر الخالص لا النبيذ، و فيهم من أعمام النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أقاربه، و كان تحريمها تدريجيا لما كان عليه القوم من الإدمان، و لم يكتف أبو البيض بهذا حتى أشار إلى أن معاوية كان يستحل شرب الخمر الصرف، و هذا يقتضي كفره وهو المقصود، و قد صرح بلعنه و تفسيقه و نفاقه كما سيأتي في موبقاته.
2 - في الجؤنة أيضا: و هذا الشام الذي امتلأت كتب الحديث من الأحاديث بفضله، مع تصحيحهم لكثير منها، و ورودها بالأسانيد النظيفة، لم يصح عندنا في فضله حديث، و كل ما صححه الحفاظ فيه فباطل، و عذرهم في ذلك بيّن، لأن أسانيد ما صححوه على شرط الصحيح، و لكن البلية فيه ممن اشتهر بينهم بالثقة، و هم رووها ائتمارا بأمر معاوية الذي كان يجبر الناس على وضع الحديث في فضل الشام، و أن أهله على الحق، و أن الهجرة إليه واجبة، و أن به الطائفة المنصورة، و أن به الأبدال، و نحو ذلك مما كان يجمع به الطغام و الجهلة، و يتألف بهم على علي وأهل العراق الخ.
قال أبو أويس: هذا كما ترى كلام ملغوم يترتب عليه سوء الظن برواة الحديث من الصحابة فمن بعدهم، و معاذ الله أن يفعلوا و هم ممن شهد له رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بالخيرية، فكيف يجمعون على الكذب على الرسول عمدا و هو كفر؟ نعم كان هناك سباب و تلاعن و تقاتل نشأ عن اجتهاد في الرأي، و نحن مأمورون بالإمساك عما شجر بينهم، ويعجبني قول أبي البيض: لم يصح عندنا. و هنا ينشد قول القائل:
يقولون: هذا عندنا غير جائز ** فمن أنتم حتى يكون لكم (عِنْدُ)؟
و من الطرائف العجيبة الدالة على تلاعب الهوى بأهله، أن أبا البيض لما هاجر إلى مصر في آخر حياته، و حج و اعتمر و زار السودان و سورية كتب إلى ذنبه الكرفطي و إلى أخيه الحسن، يقول بأنه رجع عما كان يعتقده في الشام و أهله من الشؤم و النصب، و أنه يعتقد ما صح في فضله، وأنه لو أقام هناك أياما لأحدث انقلابا في الأفكار و الناس، و مثل هذا قاله في السودان و هو دلالة واضحة على عقلية الرجل الخرافية، و رقاعته.
3 - و فيها أيضا بعد حكاية عن مجنون بالعراق و كيف كان يخطب في الصبيان و العوام في تمثيلية عجيبة،
قال أبو البيض: كأنه كان يعلم الصبيان و العوام ما يجب عليهم أن يعتقدوه فيهم (بني أمية) حتى ينزلوهم منازلهم، و لا يغتروا بالمبتدعة النواصب الذين يرفعون من قدر معاوية و يدافعون عن ابنه اللعين.
4 - و فيها أيضا نقلاً عن تاريخ الإسلام للذهبي أن الإمام مالكا قال: إن معاوية نتف الشيب كذا وكذا سنة، وكان يخرج إلى الصلاة ورداؤه يحمل، فإذا دخل مصلاه جعل عليه، وذلك من الكبر.
قال أبو البيض: و هذا يكذب ما نقل عنه من قوله: غبار حافر فرس معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز، و ربما نقل بعضهم هذا عن ابن المبارك، و كله كذب، و إذا وصف مالك معاوية بالكبر وهو يعلم الحديث الصحيح (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر) المخرج في صحيح مسلم، فلا يجوز أن يقول ذلك في عمر بن عبد العزيز.
قال أبو أويس: الأثر معضل و معلق، ولكنْ أبو البيض أتى به ليستنبط منه أن معاوية لا يدخل الجنة لما به من الكبر، فافهم شيطنة الرفض كيف تدفع صاحبها إلى الفجور و البهت.
5 - في الجؤنة أثناء الرد على ابن العربي المعافري في قوله من (سراج المريدين): إنه لهما (علي ومعاوية) محب و معظم، و لعلي مقدم لعظيم منزلته و علو درجته، و أن أحدا من الخلفاء الثلاثة لا يدرك شأوه و لا يلحق منزلته و لا خلافته بعده.
¥