تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و إذا دنا الزمان إلى القرن الثامن، و فيه أنبتت تربة الشام الخصبة المباركة: نجوم الهدى، ومصابيح الوجود، الذين حفظ الله بهم البلاد و العباد، و قاوموا ظلام الانحراف الكثيف المتمثل في التصوف الباطني الفلسفي الأجنبي عن الإسلام، و كان مَدَّ رواقه على العالم الإسلامي بسبب جهل الأمراء و العلماء و نفاقهم، فنبغ شيخ الإسلام، مفتي الأنام، و مصباح الظلام، أبو العباس أحمد ابن تيمية، و تلاميذه الأبرار، شيوخ الإسلام، و العلماء الأعلام: ابن القيم، و الذهبي، و المزي، و ابن كثير، و ابن عبد الهادي، و غيرهم.

أما نجد فكان أبو البيض يجزم جزماً ما بعده جزم، أنها المراد بحديث امتناع النبي صلى الله عليه و آله و سلم من الدعاء له، لأنه مصدر الزلازل و الفتن، و منه يطلع قرن الشيطان، و أن المراد بهذا القرن إمام الدعوة المجدد المجاهد محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي، فكان يطلق عليه و على أبنائه و أحفاده الكرام: القرنيين تقليداً لسلفه في هذا العدوان: يوسف النبهاني، و يضرب عُرض الحائط بما حققه العلماء بأن المراد بنجد العراق، لإشارة النبي صلى الله عليه و آله و سلم إلى ناحيته، و هذا كما يحكى عن العلامة الشيخ عبد اللطيف حفيد الشيخ ابن عبد الوهاب أن علماء الأزهر قالوا له –وهو منفي بمصر- يسخرون منه: مسيلمة الكذاب المتنبي من عندكم، يعنون أنه من بني تميم، فقال لهم الشيخ عبد اللطيف: و فرعون الذي قال "أنا ربكم الأعلى" من بلدكم. فبلحوا

و معلوم أن أبا البيض كان يكِّن للأزهر و الأزهريين عداءً أسوداً لا مبرر له إلا ما سمعته من الأخ الشريف حسن الكتاني فك الله أسره: سببه أنه لم ينجح في امتحان ولوج الأزهر لأول قدومه مصر، فأورثه ذلك حقداً و كراهية لهم.

و هذا المغرب بلده و طنجة مسقط رأسه و منشؤه كان يضرب به المثل في البلادة و سوء الطباع، و الانحراف في الدين، بل و كل بلية وجدت إلا و للمغرب و المغاربة نصيب وافر منها، وكلامه في الحط على المغرب و المغاربة متناثر في رسائله، و كان لمدينة طنجة القسط الأوفر من كراهيته و بغضه، حتى إنه نظم تائية من الطويل مختلة الوزن في نحو سبعمائة بيت، سماها:"بعر النعجة في أخبار أهل طنجة "، عدّد فيها مساوئ أهل طنجة، و سبهم سبّاً بالغ الفحش و السوء، وردّد لعنهم بعد كل مجموعة من الأبيات كاللازمة، و لم يكفِه ذلك حتى أملى عليها شرحا سماه "صدق اللهجة في التحدث عن مساوئ أهل طنجة"، جردها و أهلها من كل خير، حتى الجمال الطبيعي، و قال بأن هواءها موبوء، و هو الذي أورث أهلها الحمق و سوء الطباع، -و نسي أنه منهم-، و ردّ على من يقول من المؤرخين بأن ذلك من عين ماء بها، و كتب على قول القرماني في كتابه في الجغرافية و هو مطبوع حجري: أهلها مشهورون بقلة العقل. فكتب على هامش نسخته –و هي محفوظة بخزانة تطوان-: إي و الله، و قلة الدين و المروءة. و لم أدر سبب هذا العداء لطنجة و أهلها، و فيها عاش والدهم و أنجبهم بها، و عاش بين أهلها كأنه أمير مطاع، و تساءلت عن ذلك مدة إلى أن أخبرني الأخ الأستاذ أبي بن الزمزمي –و أهل مكة أدرى بشعابها- حكاية عن أبيه أن سبب ذلك راجع إلى مقدم الزاوية مْفَرج، و كان والد أبي البيض أولاه النفوذ التام فيما يتعلق بالزاوية و دائرتها، فكان أبو البيض، و هو شاب مدلّل معتز بجماله و مركزه، يُعاكسه، وينقض ما أبرمه إلى أن ضاق به ذرعا فشكاه لوالده، و هدّد بالانسحاب إن بقي الأمر كذلك، فغضب الشيخ من ولده، و أَمَره بتقبيل يد المقدم و استسماحه، فأذعن على كره و حمل نفسه في ذلك ما لا تطيق، فانفجرت عارمة تدمّر كل شيء بأمر ربها، و قد توقف عن إتمام شرح التائية، وفيما كتب ما يقض المضاجع و يصم الآذان و المسامع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير