تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

النجار، وأصول الفقه على الشيخ محمد بن القاضي.

وإلى جانب هذه الدراسة المنتظمة كان يقرأ على أبيه في المنزل كل ليلة من ليالي رمضان بعد صلاة التراويح قدرًا من كتب: الحديث، والرجال، واللغة، مثل صحيحي البخاري ومسلم، و"الإصابة في معرفة الصحابة" لابن حجر، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير، و"لسان العرب" لابن منظور.

وبعد تخرجه عمل مدرسًا في جامع الزيتونة سنة (1351هـ = 1932م)، ثم انتسب إلى كلية الآداب في جامعة الجزائر لاستكمال دراسته في اللغة الفرنسية، وتخرج فيها سنة (1354هـ = 1935م) حاملاً أعلى درجاتها العلمية.

في معترك الحياة

وعندما جلس الفاضل بن عاشور للتدريس كان قد استوى عالمًا، ألمَّ إلمامًا واسعًا بعلوم القرآن الكريم، والتفسير، والحديث، والفقه، والأصول، والكلام، ومقاصد الشريعة، إلى جانب التبحر في اللغة والأدب، وقد هيأ له ذلك أن يسهم في مجال الثقافة الإسلامية بالبحوث العميقة، وكان قد بدأ اتصاله بالصحف مبكرًا في سنة (1347هـ = 1928م) يغذيها بمقالاته المتنوعة في الدفاع عن الفكر الإسلامي والتاريخ واللغة في وجه خصومها، وحين حاولت حكومة "فيشي" الفرنسية فرض أناشيد أجنبية على طلبة المدارس في سنة (1358هـ = 1939م) تصدى لها الفاضل بن عشاور، ونظم أناشيد قومية للشباب متحديًا المحتل الفرنسي.

وتعدَّدت رحلاته العلمية وحضوره الندوات والمؤتمرات التي كان لها أثر في تكوينه الفكري؛ فشارك في مؤتمر المستشرقين في باريس سنة (1368هـ = 1948م)، وفي إستانبول سنة (1371هـ = 1951م)، وفي مؤتمر الثقافة الإسلامية بتونس سنة (1369هـ = 1949م)، وفي مؤتمر العلوم التاريخية بباريس سنة (1370هـ = 1950م)، ودُعي في سنة (1375هـ = 1955م) إلى معهد الدراسات العربية العليا بالقاهرة، وألقى به سلسلة من المحاضرات أُخرجت في كتاب كبير تحت عنوان "الحركة الأدبية والفكرية بتونس".

وإلى جانب عمله بالتدريس في الجامعة الزيتونية وفي مدرسة الحقوق العليا نهض بالإفتاء والقضاء، فعُيِّن في سنة (1373هـ = 1953م) مفتيًا للديار التونسية، ثم اشتغل قاضيًا للقضاة ورئيسًا للمحكمة الشريعة العليا، ثم رئيسًا لمحكمة النقض والإبرام، وفي سنة (1381هـ = 1961م) تولى عمادة الكلية الزيتونية للشريعة والأصول، وظلَّ يتولاها حتى وفاته.

النشاط الفكري

كانت حياة محمد الفاضل بن عاشور خصبة مليئة بالعمل والدرس والمحاضرة بين منابر المعاهد الإسلامية في تونس وليبيا والجزائر والقاهرة، وكانت محاضراته يرتجلها ارتجالاً، تواتيه بها ذاكرة خصبة وعقل، ولسان فصيح، ولغة بليغة، وقد استنفدت محاضراته معظم طاقته الفكرية، فلم يفرغ للتأليف تمامًا، كما أن كثيرًا من محاضراته لم يكن يدونها، على أن ما بقي من تراث الرجل -وإن كان قليلاً على من كان قبله- شاهد على غزارة علمه، وسعة أفقه، وإحاطته بالثقافة الإسلامية عن علم وبصيرة.

وتدور مؤلفاته في ميادين ثلاثة هي: التشريع الإسلامي، واللغة العربية، والتاريخ الإسلامي، وقد أسهم فيها جميعًا بمؤلفات وبحوث قيمة، منها: كتابه "التفسير ورجاله"، عالج فيه تاريخ علم التفسير منذ نشأته إلى اليوم، بدءاً من ابن عباس (رضي الله عنه) حبر الأمة حتى محمد عبده ورشيد رضا، وفي أثناء هذا العرض التاريخي تناول مناهج التفسير المختلفة من أخذ بالمأثور أو الميل إلى النظر والمعقول، أو الجمع بينهما، وعرف بكبار المفسرين وأهم كتبهم كالطبري، والزمخشري، والرازي، والبيضاوي، وأبي السعود من القدماء والآلوسي ومحمد عبده من المحدثين.

وتناول في الكتاب الثاني "الاجتهاد .. ماضيه وحاضره" الأدوار التي مرّ بها الاجتهاد والتشريع الإسلامي منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى يومنا هذا، وأشار إلى كبار المجتهدين من الصحابة والتابعين، وإلى نشأة المذاهب الفقهية الكبرى، وما تبعها من استقرار وبروز للمدارس الفقهية، ثم ما تبع ذلك من توقف وجمود حتى برزت في القرون الأخيرة دعوات لفتح باب الاجتهاد على يد: الدهلوي في الهند، والشوكاني في اليمن، ومحمد عبده في مصر، وله بحث نفيس قدمه إلى مجمع اللغة العربية بالقاهرة بعنوان "المصطلح الفقهي في المذهب المالكي".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير