تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فحين رؤي تنظيم الجامع الأزهر و توحيد مكتبته ظهر وهن الضمائر و ضعف النفوس و إهمال الواجب نحو الكتب التي لعبت بها أيدي الضياع فتسرب بعضها و أهمل البعض الآخر للحشرات و الأتربة فتلفت أوراقها و بليت و مزقت و خرمت و قطعت جلودها و أصبح لا يوجد منها كتاب سليم مستقيم إلا ما ندر و يظهر للباحث أن كتب الأزهر قبل سنة 1897م كانت تتسرب لمتصيديها المتربصين بها منتهزين فرصة وجودها في عهدة أشخاص ملأ الجهل صدورهم و تبرأت الأمانة من قلوبهم بداعي الحاجة أو الإغراء فأساءوا للتعليم و خانوه جهلا أو عمدا أو تقصيرا من أولي الشأن فبدد هؤلاء الأشخاص أثمن ما ترك السلف ثروة للخلف من هذه الكتب القيمة و تصرفوا فيها تصرف الملاك فباعوها مع نفاستها بالثمن البخس و لا أدل على مقدار ما فقدت مكتبات الأزهر في الماضي من المثال الآتي:-

حوالي 1270هـ 1853م أمر ديوان عموم الأوقاف بجرد كتب مكتبات المساجد و التكايا و أروقة الأزهر و حاراته و قيدت جميعها في سجلين جامعين خصص أولهما لمكتبات الجامع الأزهر و ثانيهما لمكتبات المساجد و التكايا و قد بلغ مجموع المجلدات الموجودة في مكتبات أروقة الأزهر و حاراته 18564 مجلدا فإذا رجعنا الآن إلى هذا السجل التاريخي فلا نجد من أثمن الكتب و أنفسها إلا أسماءها و كأن هذين السجلين أنشئا ليكونا في الواقع مرشدا لأيدي الاغتيال التي عمدت إلى أنفس ما في المكتبات من المؤلفات الأصلية القيمة فانتهبتها انتهابا و أغرب من هذا أن نفس السجلين تسربا أيضا إلى أيد أجنبية خارج الأزهر و لم يعودا إليه إلا بالشراء سنة 1911م و دفع لهما ثمن قدره 150 مليما و أعيد تقيدهما بالمكتبة،

و يقول الأستاذ (2) عبد الكريم سليمان «كان في الأزهر خزائن كتب وضعت في بعض الأروقة و الحارات و بعضها في المساجد القريبة كجامع الفاكهاني و جامع العيني و نيط حفظها جميعها بأشخاص يقال لهم المغيرون فتصرفوا فيها تصرفا سيئا للغاية صح معه إطلاق اسم المغيرين عليهم لأنهم غيروا وضعها و شتتوا جمعها و مزقوا جلودها و أوراقها و تركوا ما لا عناية لهم به منها في التراب يأكله العث و يبليه التراب و هذا غير ما تصرفوا فيه تصرف الملاك و صار بأيدي باعة الكتب يباع على نفاسته بالثمن البخس و لم يبال المتصرف الأول و الباعة بما كتب على ظهور تلك الكتب من العبارات التي تفيد وقفها على طلبة العلم و العلماء و بالجملة فلم يكن ليعرف للكتب قيمة و لا ينتفع بها لعدم إمكان الانتفاع»

لقد كان تعرض كتب الأروقة و الحارات للضياع و التسرب إلى أيدي المترصدين لها ممن يعرف مقدارها هو الذي أوحى إلى الأستاذ الإمام بفكرة إنشاء المكتبة و قد تقدم بها إلى مجلس إدارة الأزهر و كان ذا نفوذ فيه فنالت القبول من أعضائه و بخاصة المغفور لهما! الشيخ حسونة النواوي شيخ الجامع الأزهر إذ ذاك الذي وهبها مكتبته الخاصة على ما سنذكر و الشيخ عبد الكريم سليمان الذي كان عضدا قويا للأستاذ الإمام في حركات إصلاح الأزهر و وافق عليها المجلس و اختار المكان المناسب و كتب لديوان الأوقاف الذي كان يتولى الإشراف على شئون الأزهر لإعداده للمهمة التي اختير لها فنفذت الفكرة فعلا من أول 1897م الموافق شعبان 1314هـ

و قد لاقى صاحب الفكرة عناء عظيما في إقناع أهل الأروقة بفائدتها و رغم ما بذله من المحاولات في هذا السبيل فقد امتنع أهل بعض الأروقة عن ضم مكتباتها إلى المكتبة العامة كرواق الأتراك و رواق المغاربة و قد ضمت مكتبة الصعايدة إلى المكتبة العامة 1936م و لاقى المباشرون للتنفيذ صعوبات جمة في ترميم الكتب و إصلاحها و ترتيبها للحالة السيئة التي كانت عليها في خزائن الأروقة كما أسلفنا.

و يصور الشيخ ‹3› عبد الكريم سليمان هذه الصعوبة كما يأتي:-

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير