تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المخاطب لنا المكذب بما (1) جاءنا عن نبينا إما أن يناظر بالعلم والعدل، وإما ان يباهل، إن ادعى أن عنده من العلم ما لا يمكنه المناظرة به، فإن امتنع منهما فإما أن ينقاد، وإلا فقد بان ظلمه وكذبه، واستحق ما يستحقه الكاذب الظالم في هذا الباب.

وأما القسم الثاني - وهو طريق يقرر إفادة التواتر للعلم بالنظر والاستدلال - فنقول: التواتر يفيد العلم بكثرة العدد تارة وبصفات المخبرين أخرى، فإن الواحد والاثنين ممن علم كمال عدله وضبطه - كأبي بكر وعمر وابن مسعود وابن عمر - يفيد أخبارهم من العلم ما لا يفيده خبر عدد ليسوا مثلهم، وليعتبر كل واحد ذلك بما يعلم منه ذلك، ولكن هذا إنما يوجد كثيراً في أهل السنة والعدل، وأما أهل الأهواء فالكذب فيهم كثير (2). وتارة بحال المخبر عنه، وتارة بقوة إدراك المخبر وفطنته، فإن الذكاء وقوة الإدراك يحصل بهما من العلم ما لا يحصل لمن ليس له ذلك.

وإذا كان كذلك فالمخبرون بهذه الأخبار يتعين معرفة أحوالهم، ولهذا تجد حال من علم حال مالك بن أنس وابن عمر يعلمون صدق روايتهم ما لا يحصل لهم من رواية شعبة وقتادة والثوري. وأما أهل الحديث فيعلمون أن الثوري كان أحفظ وأبعد عن الغلط من مالك، وأن مالكاً أكثر تنقية من للشيوخ من الثوري، فالثوري يروي عمن لا يروي عنه مالك، فشيوخ مالك ثقات عنده بخلاف محدثي الثوري، فليس كلهم ثقة عنده، وكان يسمع من الكلبي وينهى عن السماع منه ويقول: أنا أعلم


(1) في الأصل: " لنا ".
(2) في الأصل: " كثيرا ".
(1/ 41)
صدقه من كذبه. ويعلمون أن الزهري وقتادة ما كانا يغلطان، ويعلمون أن ابن مسعود وابن عمر لا يتصور أن يتعمدا الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك أكثر أئمة أهل الحديث - مثل مالك وشعبة والثوري وأحمد بن حنبل - من علم حالهم يعلم علماً ضرورياً أنهم لم يعتقدوا الكذب قط في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ويعلمون أن هؤلاء لم يغلطوا إن غلطوا إلا في لفظة أو لفظتين، ومنهم من يعلمون أنه لم يغلط في الحديث النبوي، فإن أحمد بن حنبل ما عرف أنه غلط فيه قط، ولا الثوري ولا الزهري، وكذلك خلق كثير غيرهم. والذين يعلمون أنهم قد يغلطون (1) - مثل حماد بن سلمة وجعفر بن محمد - يعلمون أن غلطهم إنما هو شيء يسير وفي مواضع يعرفونها.
وبالجملة يجب أن يعلم أن حفظ الله تعالى لسنة نبيه من جنس حفظه لكتابه الذي لا يروج فيه الغلط على صبيان المسلمين، وكذلك الحديث لا يروج فيه الباطل على علماء الحديث، مع أنا لا ندعي هذا في هذا المقام، فإن ذلك من خواص أهل الحديث وخصائص الأمة، وإنما يكفينا هنا الاكتفاء بالعادة المشتركة بين بني آدم، فإن العلم بمخبر الأخبار يكون من الأسباب الأربعة التي تقدمت: الكثرة وحال المخبر وحال المخبر عنه وحال الأخبار أيضاً. ومن قال من المتكلمين ومن اتبعهم من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم أن لا اعتبار إلا بالعدد، وأنه إذا حصل [العلم] بخبر أربعة لقوم عن أمر وجب أن يحصل بخبر كل أربعة لكل قوم في قضية = فهذا قد عرف غلطه، [و] قرر غلطه في مواضع.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير