تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإن بنى ذلك على أصله الفاسد من أن الإثم والخطأ متلازمان فقد سد على نفسه باب كون الإجماع حجة، فإن المنازع يقول: أنا أجوز عليهم الخطأ بلا إثم، فإن كنت تقول: إن ما لا إثم فيه لا خطأ فيه، كان قول أهل الإجماع عندك مثل قول الواحد من المجتهدين، إذ ليس عندك لا خطأ وإثماً، وليس مثل هذا القول حجة على منازعه بلا ريب، فيلزم أن لا يكون قول أهل الإجماع حجة، بل هو كقول الواحد من المجتهدين، وليس هذا مذهبه، وإن لزم تناقضه. والمقصود هنا الاحتجاج بالقواعد المقررة، وإلا قررنا كون الإجماع حجة.

وأيضاً فالإجماع ... (1) وإذا كان [تلقي] الأمة له بالقبول يدل على أنه صدق، لأنه إجماع منهم على أنه صدق مقبول، فإجماع السلف والصحابة على ذلك كان كإجماعهم على الأحكام أو معاني الآيات، بل لا يمكن أحداً أن يدعي إجماع الأمة إلا فيما أجمع عليه سلفها، وأما بعد ذلك فقد انتشرت انتشاراً لا يضبط معه أقوال جميعها.

واعلم أن جمهور أحاديث البخاري ومسلم من هذا الباب، كما ذكر أبو عمرو ابن الصلاح ومن قبله من العلماء، كالحافظ أبي طاهر السلفي وغيره.

وأما إن تلقاه أهل الحديث وعلماؤه بالقبول والتصديق دون من لا


(1) في الهامش: " هنا بياض في الأصل الذي نقل منه هذا ".
(1/ 46)
يعرف الحديث من المتكلمة ونحوهم، فهو كذلك يكون إجماعهم على ذلك حجة قطعية، لأن الاعتبار في الإجماع على كل أمر من أمور الدين بأهل العلم به دون غيرهم. فكما لا يعتبر في الإجماع على الأحكام الشرعية إلا العلماء بها وبطرقها، وهم الفقهاء في الأحكام دون النحاة والأطباء، فكذلك لا يعتد في الإجماع على صدق الحديث وعدم صدقه إلا بأهل العلم بطرق ذلك، وهم علماء الحديث العالمون بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، الضابطون لأقواله وأفعاله، العالمون بأحوال حملة (1) الأخبار، فإن علمهم بحال المخبر والمخبر عنه مما يعلمون به صدق الأخبار، كما أن العلم المتفق على صدقه والفقيه والمتكلم والصوفي بالنسبة إلى علماء الحديث كالمحدث والمتكلم بالنسبة إلى الفقيه، والجمهور على أن هؤلاء لا يعتد بخلافهم، وقد قيل: إنه يعتد بخلافهم. فهكذا إذا خالف أهل الحديث متكلم أو فقيه.
وهذا في خبر الواحد المختص بالذي لم يتواتر لا لفظه ولا معناه، وقد علمت أن التواتر لا يشترط فيه عدد معين على القول الصحيح، فيتصل بعض هذا القسم بالقسم الأول إذا كان ما رواه الواحد أو الاثنان قد يحصل به العلم، فيكون متواتراً باعتبار صفاتهم وغيرها من القرائن والضمائر، وكثير من الناس لا يسميه متواتراً، بل يجعل ما رواه الأربعة من أخبار الآحاد مطلقاً، ويتوقف فيما رواه الخمسة، كما يقول القاضي أبو بكر والقاضي أبو يعلى في بعض كتبه. وللناس في العدد أقوال كثيرة، سبعة، واثنا عشر، وأربعون، وثلاثمئة وبضعة عشر، وغير ذلك مما حكيت، ولا أعلم بها قائلاً معيناً ولا حجة تذكر.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير