تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وللأولين حجج ليس هذا موضع استقصائها، إذ هم لا يجعلون حصول العلم بهذا من جهة العادة المطردة في حق الكفار وغيرهم، كما يقوله المتكلمون في التواتر الذي يحصل العلم فيه بخبر الكفار والفساق، وإنما يقولون: هذا من باب حفظ الله تعالى للذكر الذي بعث به رسوله وعصمته لحجته أن يوجب على الأمة اتباع ما يكون باطلاً، إذ لو جاز ذلك ولم يبق بعد محمد نبي يبين الخطأ لم تقم حجة الله على أهل الأرض في ذلك، ولكان قد أوجب الله على الناس أن يقولوا على ما هو في نفس الأمر كذباً، ويقولون: متى كان المحدث قد كذب أو غلط فلا بد أن ينصب الله حجة يبين بها ذلك، كما قال بعض

(1/ 48)

السلف (1): لو هم رجل في السحر أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصبح [و] الناس يقولون: هذا كذاب.

وفي ذلك من البسط ما لا يختص بهذا المكان، ولا يقف غرضنا عليه، فإن عامة الأحاديث التي يحتج بها في موارد النزاع لا يخرج عن القسم الأول أو الثاني. وأحاديث الأصول الكبار التي بها يميز أهل السنة والجماعة هي من القسم الأول المتواتر لفظاً ومعنى، وفي لفظها يخالف الخوارج والروافض والجهمية والقدرية من المعتزلة ونحوهم.

فصل

الطريق الثالث: أن يتكلم في الحديث الذي انتفت أسباب العلم بصدقه من كل وجه، وهذا قد يكون عند شخص وطائفة دون شخص وطائفة، فكثير من الأحاديث المعلوم صدقها عند علماء الحديث هي عند غيرهم غير معلومة الصدق، بل يظن بها الصدق، كما ذكره المعترض وذووه (2).

فنقول على هذا التقدير: علينا أن نقدر الحديث قدره، فإذا غلب على الظن صدقه اعتقدنا اعتقاداً راجحاً مضمونه، ولم نجزم به جزمنا بالمتيقن صدقه، كما نقول في أدلة الأحكام الظواهر والأقيسة. وخبر الواحد المجرد إذا لم يفدنا إلا غلبة الظن اعتقدنا غلبة الظن بها، وهذا هو الواجب، بل هذا في الأمور الخبرية أجود، لأنه لا يترتب على ذلك فساد ولا مضرة، إذ كنا لا نوجب به عملاً ولا نحرمه، وإنما نظن


(1) هو عبد الله بن المبارك كما أخرج عنه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 39).
(2) في الأصل: " وذويه ".
(1/ 49)
مضمونها.
ولهذا جوز العلماء أن تروى الأحاديث في الوعد والوعيد إذا كانت ضعيفة، ولم يعلم صدقها ولا كذبها، ولا يثبت بها استحباب، لكن يثبت بها ظن يحرك القلب على فعل الخيرات أو ترك المنكرات. فإن كان هذا فيما يتعلق بالإيمان باليوم الآخر، فكذلك فيما يتعلق بالإيمان بالله، إذا روي خبر في عظمة الله وبعض شؤونه التي لم يعلم بهذا الخبر انتفاؤها ولا ثبوتها، والخبر مما يغلب على الظن صدقه، اعتقدنا بموجبه، وظننا بذلك ظناً غالباً، فإن كان صادقاً في نفس الأمر وإلا فعظمة الله أكبر. كما أن حديث الوعد والوعيد الذي يعلم انتفاء مضمونه، إن كان صادقاً وإلا فثواب الله أعم مما علمناه مفصلاً، إذ فيه ما لم يخطر على قلب بشر، فهذا هذا.
وهذا مما اتفق عليه سلف الأمة وأئمة الإسلام أن الخبر الصحيح مقبول مصدق به في جميع أبواب العلم، لا يفرق بين المسائل العلمية والخبرية، ولا يرد الخبر في باب من الأبواب سواء كانت أصولاً أو فروعاً بكونه خبر واحد، فإن هذا من محدثات أهل البدع المخالفة للسنة والجماعة.
فإن قيل: هذا بشرط أن لا يعلم بالعقل ولا بالشرع انتفاء مضمونه.
قلنا: نعم، لا بد من هذا الشرط، وإلا فما قطعنا باستحالة مضمونه يستحيل أن يغلب على ظننا صدقه، فإن هذا جمع بين النقيضين. لكن دعوى المعترض قيام الأدلة العقلية القطعية على انتفاء مضمون الآيات والأخبار هو السؤال الآخر، فلهذا أخرنا الجواب إلى هناك. والواقع أنه ليس في الأخبار الصحيحة التي لا معارض لها من جنسها ما يخالف
(1/ 50)
القرآن ولا العقل كما سنبين ذلك.
فإن قيل: من الناس من يقول: هذه المسائل العلمية التي أمرنا أن نقول فيها بالعلم متى لم يكن الدليل عليها علمياً قطعنا ببطلانه، فلهذا يجب رد كل خبر أو دليل لا يفيد علماً في باب الخبر عن صفات الله، ومنهم من يطرد ذلك في صفات المخلوقات كالأرضين والسماوات.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير