تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

خطة العمل ممتازة، والتنظيم محكم، لكني أشك في نجاحها، لسبب واحد، وهو أننا – نحن المسلمين – لا نعرف العمل الجماعي، بل نكرهه! بسبب (الكِبْر) الذي يملأ قلوبَنَا، وإلا فقل لي بالله عليك: لماذا تفرّع (ملتقى أهل الحديث) إلى عشرات المواقع الشبيهة له؟ (ملتقى أهل الأثر) ... (ملتقى أهل التفسير) ... (ملتقى التراث المغربي والأندلسي) ... (ملتقى البيان لتفسير القرآن) – وهو صورة من ملتقى أهل التفسير – (منتديات صناعة الحديث) [ما الفرق بينها وبين ملتقى أهل الحديث؟!] ... (موقع إسنادنا) ... (الظاهرية) ... (منتديات الكتب المصورة) ... (الألوكة) ... إلخ ... إلخ، وكلها صور من (ملتقى أهل الحديث)!!

ما الدافع الذي دفع كلاًّ من أصحاب هذه المواقع إلى إنشائه؟ سيقول لك أسبابا دينية كثيرة، لكن الحقيقة أن السبب هو سبب واحد لا غير؛ (الكِبْر) ... ذلك المرض القلبي الذي يجعل صاحبه يحسد كلَّ صاحبِ فضل، فيحاول أن يقلده في نفس العمل لكي يشعر أنه خير منه!! ولكي لا يكون (تابعا) لشخص آخر ... فيعمل تحت (إمرة) شخص آخر ... حتى لو جعله ذلك الشخص الآخر مشرفا في الموقع الأول، لكن ... لا ... (سأجتهد) وأعمل موقعا آخر غير موقعه أجمل من موقعه مائة مرة، من غير أن أكون تابعا له!!!

وبهذا نعود إلى السبب الحقيقي الذي يجعل (الاجتهاد) هو مرض العصر، فيرفض معظم المسلمين الآن تقليد أحد المذاهب الأربعة، ولئن سألتهم سيقولون لك عشرات الأسباب الدينية، وسيسوقون لك عشرات الأدلة على منع أصحاب المذاهب الأربعة لتقليدهم، بينما السبب في رفضهم التقليد سبب آخر باطني، وهو (الكِبْر)، وإلا فكلام أصحاب المذاهب الأربعة والسلف الصالح في منع الاجتهاد لم يفهم منه الحافظ البيهقي – وهو من هو - ما فهمه المسلمون المعاصرون من منع الاجتهاد، لذا كان شافعيا، والحافظ ابن حجر كان شافعيا ... والإمام النووي كان شافعيا، والحافظ ابن الصلاح، والحافظ السبكي، وغيرهم وغيرهم من آلاف المحدثين والعلماء، وكلهم كانوا مقلدين ... بل إن سندَ الإمامِ ابن تيمية في المذهب الحنبلي مذكور في كتاب صلة الخلف بموصول السلف، وهو مطبوع ومصوَّر.

والسبب في أن معظم علماء الإسلام على مدار التاريخ كانوا (مقلِّدين) رغم نهي أصحاب المذاهب الأربعة لتقليدهم، سببان: الأول أنهم متواضعون، لا يوجد عندهم (جبل الكِبْر) الموجود في قلوبنا، والذي يحول بيننا وبين أن نقلد من هم أعلم منا آلاف المرات، رغم أن احتمال إصابتهم للصواب يفوق احتمال اصابتنا للصواب عشرات المرات، واحتمال وقوعنا في الخطأ يفوق احتمال وقوعهم فيه عشرات المرات! ورغم ذلك نترك ما هو أحرى بإصابة الحق، ونفعل ما هو أحرى بالوقوع في الخطأ ... لا لشيء إلا لأنه يرضي هوانا وكِبْرَنا.

والسبب الثاني في أن معظم علماء الأمة كانوا مقلدين، هو أنهم – لأنهم علماء – علموا مواضع الخطاب، وأن هذا النهي عن التقليد ليس موجَّهًا لنا!!! بل لمن كان له مثل علم الأئمة الأربعة، وليس نحن ... وفي (سير اعلام النبلاء 232/ 11): «الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُسَيَّبِ، سَمِعْتُ زَكَرِيَّا بنَ يَحْيَى الضَّرِيْرَ يَقُوْلُ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: كم يَكفِي الرَّجُلَ مِنَ الحَدِيْثِ حَتَّى يَكُوْنَ مُفتِياً؟ يَكْفِيه مائَةُ أَلْفٍ؟

فَقَالَ: لاَ.

... إِلَى أَنْ قَالَ: فَيَكْفِيه خَمْسُ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ؟

قَالَ: أَرْجُو».

فمثل هذا هو مَن يوجِّه له الإمام أحمد الخطابَ في النهي عن التقليد ووجوب اتباع الدليل، ومن لم يكن كذلك فلا يحل له أن يجتهد في الفقه! هذا رأي الإمام أحمد بن حنبل ... فقمنا نحن (بتحريف) مقصوده، وتوجيه خطابه (لنا)، بينما أمثالنا - من غير الحفاظ - لم يشملهم النهي عن التقليد، بل يقع عليهم النهي عن الفتيا، أي نهي الإمام أحمد لنا عن الاجتهاد في الفقه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير