أما عند جمهور المتكلمين من الأشاعرة وغيرهم فالكلام معنى نفسي قائم بالله، وهو بذلك صفة ذاتية فقط ليس بصفة فعلية، كما أنه ليس بحرف ولا صوت عندهم، والله أعلم.
وانظر التعليق على باب 32 من كتاب التوحيد، وحديث (4731) من كتاب التفسير من الثامن، وغيرهما.
* * *
قال الحافظ 13/ 522: "قوله: (ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة). لم يقع "وإذا أتاني. . . " إلخ في رواية الطيالسي، قال ابن بطال: وصف سبحانه نفسه بأنه يتقرب إلى عبده، ووصف العبد بالتقرب إليه، ووصفه بالإتيان والهرولة كل ذلك يحتمل الحقيقة والمجاز، فحملها على الحقيقةيقتضي قطع المسافات وتداني الأجسام وذلك في حقه تعالى محال، فلما استحالت الحقيقة تعين المجاز لشهرته في كلام العرب، فيكون وصف العبد بالتقرب إليه شبراً وذراعاً وإتيانه ومشيه معناه التقرب إليه بطاعته وأداء مفترضاته ونوافله، ويكون تقربه سبحانه من عبده وإتيانه والمشي عبارة عن إثابته على طاعته وتقربه من رحمته، ويكون قوله: أتيته هرولة أي أتاه ثوابي مسرعاً. . فإن المراد به قرب الرتبة وتوفير الكرامة. والهرولة كناية عن سرعة الرحمة إليه ورضا الله عن العبد وتضعيف الأجر، قال: والهرولة ضرب من المشي السريع وهي دون العدو، وقال صاحب المشارق: المراد بما جاء في هذا الحديث سرعة قبول توبة الله للعبد أو تيسير طاعته وتقويته عليها وتمام هدايته وتوفيقه، والله أعلم بمراده"اهـ.
ت: الواجب إثبات ذلك كله على الحقيقة اللائقة بالله عز وجل، وقطع الاستشراف في التنطع في صورها وكيفياتها، فنؤمن بما جاء عن الله من صفات الله على مراد الله، وما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنؤمن بقرب الله ودنوه من عبده مع علوه فوق سماواته، ونكل حقيقته إلى عالمه سبحانه؛ لأن عقولنا تقصر عن إدراك ذلك، بل تحار فيما فيما دون ذلك، والله أعلم.
والواجب في هذا وأمثاله الإيمان بذلك وإثباته بلا تمثيل ولا تشبيه، وتنزيه الله عن مشابهة خلقه في كل شيء؛ لأنه سبحانه أعلم بنفسه وأعلم بصفاته، ولا يجوز لأحد أن يعطلها بسبب فهمه السيء، والله ولي التوفيق.
* * *
قال الحافظ 13/ 527: "المراد منه كما قال البيهقي فيه دليل على أن أهل الكتاب إن صدقوا فيما فسروا من كتابهم بالعربية كان ذلك مما أنزل إليهم على طريق التعبير عما أنزل، وكلام الله واحد لا يختلف باختلاف اللغات، فبأي لسان قرئ فهو كلام الله"اهـ.
ت: كلام الله متعدد ليس واحداً، فليست التوراة هي الإنجيل وليست هي القرآن، كما هو مذهب الأشاعرة؛ إذ عندهم الكلام كله معنى واحد وأن الأمر عين النهي والخبر والاستفهام.
والحق أن كلام الله متنوع؛ فكلام الله لآدم غير كلامه لموسى ولمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن التوراة غير الإنجيل وغير القرآن، ولكن الجميع كلام الله حقيقة، وإن تليت بأي لسان؛ فالمتلو كلام الله الذي تكلم به وأنزله على رسله، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/ 538: "قال الكرماني:. . . ويسند إلى الله تعالى من حيث إن وجوده إنما هو بتأثير قدرته، وله وجهتان: جهة تنفي القدر، وجهة تنفي الجبر، فهو مسند إلى الله حقيقة وإلى العبد عادة، وهي صفة يترتب عليها الأمر والنهي والفعل والترك، فكل ما أسند من أفعال العباد إلى الله تعالى فهو بالنظر إلى تأثير القدرة، ويقال له: الخلق: وما أسند إلى العبد يحصل بتقدير الله تعالى، ويقال له: الكسب"اهـ.
ت: الصواب أن نسبة الفعل إلى العبد نسبة لائقة به من حيث حقيقة فعله له مختاراً طائعاً، وفعله وقدرته لا تخرج عن قدرة الله وتقديره بحال. وعلى فعله يقع الثواب والعقاب.
أما عقيدة الأشاعرة في الكسب فإنه ثمرة لجبر الجهمية، ليس تحته فعل حقيقي للعبد يؤاخذ أو يثاب عليه، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/ 541: "وقال تعالى: {أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ} فسلب عنهم هذه الأفعال وأثبتها لنفسه ليدل بذلك على أن المؤثر فيها حتى صارت موجودة بعد العدم هو خلقه، وأن الذي يقع من الناس إنما هو مباشرة تلك الأفعال بقدرة حادثة أحدثها على ما أراد، فهي من الله تعالى خلق بمعنى الاختراع بقدرته القديمة، ومن العباد كسب على معنى تعلق قدرة حادثة بمباشرتهم التي هي كسبهم. . . "اهـ.
¥