وهكذا قوله لغير المجتهد لا له ولو وقف على نص أعلم له فإن عدم تجويز التقليد للمجتهد يفيد أنه لا يجوز له بحال لا لمن هو مثله ولا لمن هو فوقه لكونه قد حصل له باجتهاده ما هو المانع من التقليد على كل حال ولكل أحد وهكذا قوله ولا في عملي يترتب على علمي كالموالاة والمعاداة فإن هذا العملي هو من مسائل الأصول لا من مسائل الفروع فقد خرج بقيد الفرعية فلو قال المصنف هكذا
فصل التقليد في الفروع جائز لغير المجتهد لكان أخصر وأظهر وأوضح معنى فإن ما زاد على هذا من القيود التي ذكرها ليس فيه إلا مجرد التكرار مع إيهام التناقض في البعض من ذلك
الوجه الرابع في الكلام على جواز التقليد
اعلم أنه قد ذهب الجمهور إلى أنه غير جائز قال القرافي مذهب مالك وجمهور العلماء
ص12
وجوب الاجتهاد وإبطال التقليد وادعى ابن حزم الإجماع على النهي عن التقليد ورواه مالك وأبو حنيفة والشافعي وروى المروزي عن الشافعي في أول مختصرة أنه لم يزل ينهى عن تقليده وتقليد غيره
وقد ذكرت نصوص الأئمة الأربعة المصرحة بالنهي عن التقليد لهم في الرسالة التي سميتها القول المفيد في حكم التقليد
والحاصل أن المنع من التقليد إن لم يكن إجماعا فهو مذهب الجمهور ومن اقتصر في حكاية المنع من التقليد على المعتزلة فهو لم يبحث عن اقوال أهل العلم في هذه المسألة كما ينبغي
وقد حكي عن بعض الحشوية أنهم يوجبون التقليد مطلقا ويحرمون النظر وهؤلاء لم يقنعوا بما هم فيه من الجهل حتى أوجبوه على غيرهم فإن التقليد جهل وليس بعلم
وذهب جماعة إلى التفصيل فقالوا يجب على العامي ويحرم على المجتهد وبهذا قال كثير من أتباع الأربعة ولكن هؤلاء الذين قالوا بهذا القول من أتباع الأئمة يقرون على أنفسهم بأنهم مقلدون والمعتبر في الخلاف إنما هو قول المجتهدين لا قول المقلدين
ص13
والعجب من بعض المصنفين في الأصول فإنه نسب هذا القول المشتمل على التفصيل إلى الأكثر وجعل الحجة لهم الإجماع على عدم الإنكار على المقلدين
فإن أراد إجماع الصحابة فهم لم يسمعوا بالتقليد فضلا عن أن يقولوا بجوازه وكذلك التابعون لم يسمعوا بالتقليد ولا ظهر فيهم بل كان المقصر في زمان الصحابة والتابعين يسأل العالم منهم عن المسألة التي تعرض له فيروى له النص فيها من الكتاب أو السنة وهذا ليس من التقليد في شيء بل هو من باب طلب حكم الله في المسألة والسؤال عن الحجة الشرعية
وقد عرفت مما قدمنا أن المقلد إنما يعمل بالرأي لا بالرواية من غير مطالبة بحجة وإن أراد إجماع الأئمة الأربعة فقد عرفت أنهم مصرحون بالمنع من التقليد لهم ولغيرهم ولم يزل من كان في عصرهم منكرا لذلك أشد إنكار وإن أراد إجماع المقلدين للأئمة الأربعة فقد عرفت أنه لا يعتبر خلاف المقلد فكيف ينعقد بقولهم الإجماع وإن أراد غيرهم فمن هم فإنه لم يزل أهل العلم في كل عصر منكرين للتقليد وهذا معلوم لكل من يعرف أقوال أهل العلم
والحاصل أنه لم يأت من جوز التقليد فضلا عمن أوجبه بحجة ينبغي الاشتغال بجوابها قط وقد أوضحنا هذا في رسالتنا المسماة بالقول المفيد في حكم التقليد وفي كتابنا الموسوم بأدب الطلب ونهاية الأرب
وأما ما ذكروه من استبعاد أن يفهم المقصرون نصوص الشرع وجعلوا ذلك مسوغا للتقليد فليس الأمر كما ظنوه فهاهنا واسطة بين الاجتهاد والتقليد وهي سؤال الجاهل للعالم عن الشرع فيما يعرض له لا عن رأيه البحت واجتهاده المحض وعلى هذا كان عمل المقصرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم
ومن لم يسعه ما وسع هؤلاء الذين هم أهل القرون الثلاثة الفاضلة على ما بعدها فلا وسع الله عليهم
ص14
وما أحسن ما قاله الزركشي في البحر عن المزني فإنه قال يقال لمن حكم بالتقليد هل لك من حجة فإن قال نعم أبطل التقليد لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد
وإن قال بغير علم قيل له فلم أرقت الدماء وأبحت الفروج والأموال وقد حرم الله ذلك إلا بحجة
فإن قال أنا أعلم أني أصبت وإن لم أعرف الحجة لأن معلمي من كبار العلماء قيل له تقليد معلم معلمك أولى من تقليد معلمك لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت عن معلمك كما لم يقل معلمك إلا بحجة خفيت عليك
فإن قال نعم ترك تقليد معلمه إلى تقليد معلم معلمه وكذلك حتى ينتهي إلى العالم من الصحابة
¥