تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثالثا: يجب أن نعتنقد أنه تكلم به بحرف وصوت؛ خلافا لمن يزعم أنه عبارة عن كلام الله؛ ولذلك ألف الإمام السجزي من تلاميذ الإمام أحمد كتابا بعنوان (الحرف والصوت).

ليس ككلامنا، وليس كنطقنا لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى: 11 {.

ولا يتبادر إلى ذهنك التشبيه الذي تبادر إلى أذهان الجهمية؛ فاضطروا إلى نفي صفات الله – جل وعلا -، لكن نقول: تكلم به كما يليق بجلاله وعظمته، سمعه منه جبريل كما يليق بجلاله وعظمته، بصوت وحرف كما يليق بجلاله وعظمته.

رابعا: أنه كلام الله المنزل غير مخلوق، لماذا قيدنا بكلمة (غير مخلوق)؟

لأن الجهمية، والمعتزلة، والرافضة، والخوارج، وغيرَهم من الفرق الضالة، كلهم يَدَّعون أن القرآن مخلوق.

وقد التحق بهم طوائف أخرى، ولكن أخطر هذه الأقوال: هو قول القائلين: بأن القرآن مخلوق كسائر المخلوقات، ونحن نقول: إنه كلام الله الذي تلكم به حقيقة، وأنزله على رسوله – صلى الله عليه وسلم – بواسطة رسوله، وسفيره بينه وبين رسله: جبريل – عليه السلام -.

خامسا: أن يعتقد المؤمن أن القرآن المتلوَّ بالألسن = هو كلام الله.

سادسا: أن نعتقد أن القرآن المحفوظ في الصدور = هو كلام الله.

سابعا: أن نعتقد أن القرآن المكتوب في المصحف = هو كلام الله.

ثامنا: يقال إن المداد الذي هو الحبر، والورق مخلوقة كما قال ابن القيم – رحمه الله –: ومداده والرق مخلوقان.

أما ما تقدم من الأوصاف؛ فإنه بتلك الأوصاف غير مخلوق.

لماذا قيدنا بهذه القيود: أن القرآن المتلوَّ، أن القرآن المحفوظ، أن القرآن المكتوب = هو كلام الله، لماذا قيدنا؟

لأن هناك من يعتقد أنه عبارة، أو حكاية عن كلام الله.

((المتن))

وجميعُ آياتِ الصِّفاتِ أُمِرُّها ///حَقاً كما نَقَلَ الطِّرازُ الأَوَّلُ

((الشرح))

المقصود بهذا البيت أن ما ثبت في كتاب الله – جل وعلا – من الأسماء والصفات يمرها كما جاءت على مراد الله – تبارك وتعالى – دون أن يخوض فيها بأي تأويل، أو تعطيل، أو تكييف، أو تمثيل، أو تشبيه، أو تأويل، على حد قوله – تعالى – لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى: 11 {.

وقوله (كما قال الطراز الأول) أي كما قال السلف الصالح؛ لأنه من المعلوم أن كل خير في اتباع من سلف؛ فالسلف، والطراز الأول، والقرون الأولى الذين قعَّدوا هذه القواعد وفق هدي النبي - صلى الله عليه وسلم – هم الذين يجب أن نتبع هديهم، وأن نسير على منهاجهم، وأن نحذو حذوهم كما قال الله – جل وعلا - وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه} التوبة: 100 {.

وقال تعالى أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} الأنعام: 90 {.

وقال – جل وعلا - وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} النساء: 115 {.

يقول حذيفة – رضي الله عنه -: عليكم بالعتيق.

ويقول ابن مسعود – رضي الله عنه -: من كان متأسيا؛ فليتأس بأصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم –، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبكل حال.

ومذهبهم في الأسماء والصفات أنهم يمرونها كما جاءت بلا كيف، نقلت هذه العبارة عن عشرات من السلف الصالح، لاسيما في القرون – القرنين: الثاني والثالث، بعد أن كثر اللغط والتأويل والتعطيل في أسماء الله وصفاته؛ فقالوا عبارتهم المشهورة (أمروها كما جاءت بلا كيف) قالها مالك، والأوزاعي، وقالها مكحول، وقالها الليث، وقالها غيرث واحد من السلف (أمروها كما جاءت بلا كيف)، بمعنى أن كلَّ ما ورد في الكتاب والسنة من الأسماء والصفات يجب إمراره، والإيمان به على مراد الله – جل وعلا - ولا نأوله، ولا نعطله، ولا نحرفه، ولا نشبهه، ولا نمثله، ولا نكيفه، والميزان في ذلك قول الله – سبحانه وتعالى - لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى: 11 {.

فإذا أخبر الله – جل وعلا – عن نفسه بصفة وجب إثباتها، والإيمان بمعناها وآثارها، كما قال الإمام مالك – رحمه الله – في الاستواء (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)، وكذا نقول في سائر الصفات.

اليد معلومة، والكيف مجهول، والإيمان بها واجب، والسؤال عن الكيفية بدعة.

وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} الرحمان: 27 {.

الوجه معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن الكيفية بدعة.

وكما قال - تبارك وتعالى - وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} الفجر: 22 {.

نقول: المجيء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة؛ فنتجنب – بذلك - مزالق الجهمية، والمعتزلة، والخوارج، والرافضة، ومن نهج نهجهم من الفرق الأخرى.

((المتن))

وأَرُدُّ عُهدتها إلى نُقَّالِها ///وأصونُها عن كُلِّ ما يُتَخَيَّلُ

((الشرح))

وأرد عهدتها يعني: أرد معناها إلى أولئك النَّقَلَة الذين نقلوها لنا بكل صدق وأمانة، ولا نتجاوز ما هم عليه من الإيمان بها، وبمعانيها على الوجه الذي يليق بجلال الله وعظمته؛ فلا نكيف، ولا نمثل، ولا نعطل، ولا نتجاوز مواقفهم: بإفراط، أو تفريط، بتشبيه، أو تعطيل؛ وبهذا الأمر كان أهل السنة وسطا بين المشبهة والمعطلة، كانوا وسطا في باب الصفات بين المشبهة والمعطلة، فهو يقول: أنا لا أتحول عن منهج السلف في باب الأسماء والصفات؛ فأثبت لله ما أثبت لنفسه، وما أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم –، وأنفي عنه ما نفى عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم –، ولا أتحول عن هذا المبدأ الذي كان عليه السلف الصالح.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير