ومنهم: قومٌ يَجْمَعُون المالِ وَيَبخَلونَ بإخراجِهِ، ثم يَشْتَغِلُونَ بالعَباداتِ البَدَنِيَّةِ التي لا تحتاجُ إلى نفقةٍ كالصيامِ والصلاةِ، ولا يَدْرونَ أَنَّ جِهادَ النفسِ في البخلِ المُهلِكِ أوْلى.
شِعْرًا:
لَقَدْ خَابَ مَنْ غَرَّتْهُ دُنْيًا دَنِيَّةٌ
(وما هِيَ أنْ غرَّتْ قُرُونًا باطَائِلِ
(
أَتَتْنَا عَلى زِيِّ العَزيزِ بِثَينَةٍ
(وَزِينَتِهَا فِي مِثْلِ تِلْكَ الشَّمَائِلِ
(فَقُلْتُ لَهَا غُرِي سِوَايَ فإِنَّنِي
(عَزوفٌ عن الدُّنْيَا وَلسْتُ بِجَاهِل
(وَهَبْها أَتَتْنا بالكُنوزِ وَدُرِّهَا
(وأَمْوَالِ قَارُونٍ وَمُلْكِ القَبائِل
(أَليْسَ جَمِيعًا لِلفَنَاءِ مَصِيرُهَا
(وَيُطْلبُ مِنْ خُزَّانِها بالطَّوائِلِ
(فَغُرِّي سِوايَ إِنَّنِي غَْيُر رَاغِبٍ
(لِمَا فِيكِ مِنْ غِرٍ وَمُلْكٍ ونائِلِ
(وَقَدْ قَنِعَتْ نَفْسي بِمَا قد رُزِقْتُهُ
(فَشَأْنِكِ يا دُنْيَا وأَهْلَ الغَوَائِلِ
(فإِنّي أَخَافُ اللهُ يَوْم لِقَائِهِ
(وأَخْشَى عِقَابًا دَائِمًا َغَيْرَ زَائِل
(اللَّهُمَّ نَجّنا برحمتِكَ مِن النارِ وعافِنا من دار الخِزْيَ والبَوَار، وَأَدْخِلنا بفَضْلِكَ الجنةَ دارَ القَرار وعامِلْنَا بكَرَمِكَ وَجودِكَ يا كَرِيمُ يا غَفارُ.
اللَّهُمَّ ثَبِّتْ مَحَبَّتَكَ في قُلُوبِنَا وَقوِّهَا وَنَوِّرْ قُلُوبَنَا بِنُور الإيمانِ واجعلنا هُداةً مُهْتَدِين وآتِنا في الدُّنيا حَسَنَةً وفي الآخِرِةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النارِ واغْفِرْ لَنَا ولوالِدَيْنَا وَلِجَمِيعَ المُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
(2) موعظة: اعلم يا بُنَيَّ وَفَّقَكَ اللهُ لِلصَّواب أنه لم يتميز الآدمي ُّبالعقل إلا لِيَعْمَل بمُقتضاه، فاسْتَحْضر عَقْلَكَ، وأَعْمِلْ فِكْرَكَ، واخْل بِنَفْسِكَ تَعْلَم بالدليلَ أنكَ مَخْلُوق مُكَلَّف، وأنَّ عليكَ فرائض أنتَ مُطَالبٌ بها.
وأن الملكَين يُحْصِيَان أَلفاظَكَ وَنَظَرَاتِكَ، وَأنَّ أنفاسَ الحي خُطَاه إلى أَجَلِهِ، وَمِقْدارُ اللُّبثِ في الدنيا قَلِيل، والحبسُ في القُبور طَوِيل، والعذابُ على مُوافَقَة الهَوى وبيل.
فأينَ لَذّةُ أَمْس؟! رَحَلَتْ وأَبْقَتْ نَدَمًا، وأينَ شَهْوةُ النفسِ؟ كم نَكَّسَتْ رَأْسًا، وَزَلَّتْ قَدَمًا، وما سَعِدَ مَن سَعِدَ إلا بِخِلاف هَواهُ، ولا شَقِيَ مَن شَقِيَ إلا بإيثار دُنياه.
فاعتبرْ بِمَنْ مَضَى مَن المُلُوكِ والزُهَّادِ، أَيْنَ لَذَّةُ هَؤلاءِ وأَيْنَ تَعَبُ أولئك؟ بَقِيَ الثوابُ الجزيلُ، والذِكرُ الجميلُ لِلصَّالِحينَ، والمقالةُ القَبِيحَةُ والعقابُ الوبيلُ لِلعاصِين.
وكَأَنَّه ما جَاعَ مَن جَاعَ وَلا شَبعَ مَن شَبعَ، واعْلَمْ أنَّ الكَسَلَ عن الفضائِل بِئسَ الرَّفِيقِ، وحب الراحة يورث من الندم ما يربو على كل لذة، فانتبه واتعب لنفسك.
واعلم أَنَّ طَلَبَ الفَضائِل نِهَايَةُ مُرَادِ المُجْتَهِدين، ثم الفضائلُ تَتَفاوتُ، فَمِن الناسِ مَن يَرى الفضائلَ الزُهْدَ في الدنيا، ومنهم مَن يراهَا التَّشَاغُلَ بالتعبدِ، وعلى الحقيقةِ فَليستَ الفضائلُ الكاملةُ إلا الجمع بينَ العلم والعمل.
شِعْرًا:
حَيَاةُ الفَتَى والله بالعلِمِ والتّقُىَ
(إذَا لَمْ يَكُونَا لا اعتبارَ لِذَاتِهِ
(وَمَنْ لَمْ يَذُقْ ذلَّ التَّعَلُم سَاعَة
(تَجَرَّع كَأْسَ الذُّلِ طُولَ حَيَاتِهِ
(فوائِدْ: مِنْ حِكَمِ أمير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه: العلم خير من المال، العلمَ يَحرسك وأنت تَحرس المال، المال تنقصه النفقة والعلم يَزكُو على الإنفاق، بالعلم يَكسِبُ الإنسانُ الطاعةَ في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، العلم حاكم والمال محكوم عليه.
فإذا حصلا رفعا صاحبهما إلى تحقيق معرفة الخالق سبحانه وتعالى، وحركاه إلى محبته وخشيته والشوق إليه، فتلك الغاية المقصودة، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، وليس كل ما يريد مرادًا ولا كل طالب وَاجِدًا، ولكن على العبد الاجتهاد وكل ميسر لما خلق له والله المستعان.
يَا خَالِقِي عبدُكَ الخاطِي الحَزينُ لَقَدْ
¥