(إِذَا نِلْتَهُ هَوِّنْ بِفْوتِ الْمَنَاصِبِ
(فَإِنْ فَاتَتَ الدُّنْيَا وَطِيبُ نَعِيمِهَا
([فَغَمَّضْ] فَإِنَّ الْعِلْمَ خَيْرُ الْمَوَاهِبِ
(
آخر: الْعِلْمُ إِنْ لَمْ تَكْتَنِفْهُ شَمَائِلٌ
(تُعْلِيهِ كَانَ مَطِيَّةَ الإِخْفَاقِ
(لا تَحْسَبَنَّ الْعِلْم يَنْفَعُ وَحْدَهُ
(مَا لَمْ يُتَوَّجْ رَبُّهُ بِخَلاقِ
(كَمْ عَالِمٍ مَدَّ الْعُلُومَ حِبَائِلاً
(لِوَقِيعَةٍ وَقَطِيعَةٍ وَفِرَاقِ
(
وَفَقِيهِ قَوْمٍ ظَلَّ يَرْصُدُ فِقْهَهُ
(لِمَكِيدَةٍ أَوْ مُسْتَحِلَّ طَلاقِ
(يَمْشِي وَقَدْ نُصِبَتْ عَلَيْهِ عمَامَةٌ
(كَالْبُرْجِ لَكْنِ فَوْقَ تلِّ نِفَاقِ
(وَطَبِيبِ قَوْمٍ قَدْ أَحَلَّ لِطِبِّهِ
(ما لا تُخِلُ شَريعَةُ الْخَلاقِ
(قََتَل الأجِنَّةِ فِي الْبُطُونِ وَتَارةً
(جَمَعَ الدَّرَاهِمَ مِنْ دَمِ مِهرَاقِ
(آخر:
مَا الْفَخْرُ إِلا لأَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُمْ
(عَلَى الْهُدَى لِمَنْ اسْتَهْدَى أدلاءُ
(وَقِيمَة الْمَرْءِ ما قَدْ كَانَ يُحْسِنُهُ
(والْجَاهِلُونَ لأَهْلِ الْعِلْمِِ أَعْدَاءُ
(فَعِشْ بِعِلْمِ تَفُزْ حَيًّا بِهِ أَبَدَا
(النَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ
(وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
(فَصْلٌ 12) قَالَ ابنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ:
الأَصْلُ الأولُ فِي الْعِلْمِ وَفَضْلِهِ وَشَرَفِهِ وَبَيَانِ عُمُومِ الْحَاجَةِ إِليهِ وَتَوَقُّفِ كَمَالِ الْعبدِ ونَجَاتِهِ في مَعِاشِهِ وَمَعادِهِ عليهِ.
قَالَ اللهُ تعالى: ? شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? استشْهدَ سبحانه بأولي العلمِ على أَجَلِّ مَشْهودٍ عَلَيْهِ وَهُو توحيدُهُ فقَالَ: ? شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ ? وَهَذا يدلُّ على فضْلِ الْعِلْمِ وأهلِهِ مِنْ وُجوِهٍ. أَحدُها: استشهادُهُمْ دُونَ غَيْرِهمْ من الْبَشَر، والثاني: اقترانُ شهادَتِهِمْ بِشَهَادِتِهِ، والثالثُ: اقترَانُها بشهادَةِ مَلائِكتِهِ، والرابعُ: أنّ في ضِمْنِ هذا تزْكِيَتَهُمْ وَتَعْدِيلَهُمْ فإنّ اللهَ لا يستشْهِدُ من خلقِهِ إلا العُدولَ ومنْهُ الأثَرُ الْمَعْرُوفُ عن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَحْمِلُ هذا الْعِلْمَ مِنْ كلِّ خَلَفِهِ عُدُوله ينفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الغالين وانْتِحَالَ الْمُبْطِلينَ وَتَأويلَ الْجَاهِلين».
والْخَامِسُ: أَنَّهُ وَصَفَهُمْ بِكَوْنِهمْ أَوْلَي الْعِلْمِ وهذا يدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِهِمْ بهِ وَأَنهُمْ أَهْلُهُ وَأَصْحَابُهُ لَيْسَ بِمُسْتَعَارٍ لَهُمْ.
السَّادِسُ: أنَّهُ سُبْحَانَهُ اسْتشهد بنفسِهِ وَهو أجلُّ شاهدٍ ثُمْ بِخِيارِ خلقِهِ وهم ملائكتُهُ والْعلماءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَكْفِيهِمْ بِهَذَا فَضْلاً وَشَرفًا.
السَّابعُ: أَنَّهُ اسْتَشْهَدَ بِهمْ على أجَلِّ مشهودٍ بِهِ وَأَعظمِهِ وَأَكْبرهِ وَهو شهادةُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ والعَظِيمُ الْقَدْرِ إِنَّما يَسْتَشْهِدُ عَلى الأمرِ العظيمِ أكابِرَ الْخَلْقِ وَسَادَاتِهمْ.
الثامِن: أنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ شَهَادَتَهُمْ حُجَّةً عَلَى الْمنكِرِينَ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَدِلَّتِهِ وآيَاتِهِ وَبَرَاهِينِهِ الدَّالة على توحيدِهِ.
التاسع: أنَّهُ سُبْحَانَهُ أَفردَ الْفعلَ الْمُتضمنَ لِهَذِهِ الشَّهادَةِ الصَّادرةِ منهُ ومِنْ مَلائكتِهِ وَمِنْهُمْ وَلَمْ يعطِفْ شهادَتَهُمْ بِفِعْلٍ آخَرَ غَيْرَ شِهادتِهِ.
وهذا يدلُ على شدةِ ارتباطِ شهادتِهمْ بشهادِتِهِ فكأنَّهُ سُبْحانَه شَهِدَ لنفْسِهِ بَالتَّوْحِيدِ على ألسِنَتهِمْ وأنْطَقَهُمْ بِهَذِهِ الشَّهْادةِ فَكَانَ هو الشاهدّ بِها لِنَفْسِهِ إِقامَةً وَإِنْطَاقًا وَتَعْلِيمًا وَهُمْ الشَّاهِدُونَ بِهَا لَهُ إقْرارًا واعْتِرَافًا وَتَصْدِيقًا وَإِيمَانًا.
¥