تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجهُ الثالثُ والثلاثون: أنَّ الله سُبْحَانَهُ جَعَلَ صَيْدَ الكلبِ الْجَاهِلِ مَيْتَةً يَحرُمُ أكلُها وأباحَ صَيْدَ الكلبِ الْمُعَلَّمْ وهذا أيضًا مِنْ شَرَفِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لا يُباحُ إلا صَيْدُ الكلبِ الْعَالِم، وَأَمَّا الْكَلْبُ الْجَاهلُ فَلا يَحِلُّ أَكلُ صَيْدِهِ فدلَّ عَلى شَرَفِ الْعِلْمِ وَفَضْلِهِ.

شعرًا:

إِذَا مَا أُنَاسٌ فَاخرُونَا بِمَالِهمْ

(فَإنِّي بِمِيراثِ النَّبِيين فَاخِرٌ

(أَلَمْ تَرَ الْعِلْمِ يُذْكَرُ أَهْلُه

(بِكُلِّ جَمِيلٍ فِيهِ وَالْعَظمُ نَاخرْ

(سَقَى اللهُ أَجْدَاثًا أَجَنَّتْ مَعاشِرًا

(لهمُ أَبْحُرٌ مِنْ كُلِّ عِلْمٍ زَوَاخِرُ

(آخر:

الْعِلْمُ بالتَّوْحِيدِ أَفْضَلُ مُكْتَسَبْ

(ثُمَّ الْحَدِيث يَتْلُوهُ فَنِعْمَ الأَدَبْ

(فاشْدُدْ يَدَيْكَ بِحَبْلَيْهِمَا

(فَلِحَبْلَيْهِمَا أَقْوى سَبَبْ

(هَذَا هُو الْكِنْزُ الذي

(يَبْقَى إِذَا فَنِي الذَّهَبْ

(وقَالَ رحمه الله:

الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لعبادته الجامعة لمحبته وإيثار مرضاته، المستلزمة لمعرفته، ونصب للعباد علمًا لا كمال لهم إلا به.

وهو: أن تكون حركاتهم كلها موافقة على وفق مرضاته ومحبته، ولذلك أرسل رسله وأنزل كتبه، وشرع شرائعه.

فكمال العبد الذي لا كمال له إلا به: أن تكون حركاته موافقة لما يحبه الله منه ويرضاه له. ولهذا جعل إتباع رسوله ? دليلاً على محبته. قَالَ تعالى: ? قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ?.

فالمحب الصادق يرى خيانة منه لمحبوبه أن يتحرك بتحركة اختيارية في غير مرضاته، وإذا فعل فعلاً مما أبيح له بموجب طبيعته وشهوته تاب منه كما يتوب من الذنوب، ولا يزال هذا الأمر يقوى عنده حتى تنقلب بها مباحاته كلها طاعات.

فيحتسب نومه وفطره وراحته كما يحتسب قومته وصومه واجتهاده، وهو دائمًا بين سراء يشكر الله عليها، وضراء يصبر عليها، فهو سائر إلى الله تعالى دائمًا في نومه ويقظته.

قَالَ بعض العلماء: الأكياس عاداتهم عبادات الحمقى، والحمقى عباداتهم عادات.

شعرًا:

لا يحَقْرِ الرَّجُلُ الْعَظِيمُ دَقِيقَةً

(فِي السَّهْوَ فِيهَا لِوضِيعِ مَعَاذِرُ

(فَكَبَائِر الرجُل الصَّغِيرِ صَغَائِرٌ

(وَصَغَائِرُ الرجُل الْكَبِير كَبَائِرُ

(آخر:

دَعْ التَّعْلِيلَ والتَّسْويفَ وَاقْبِلْ

(عَلى مَوْلاكَ تَغنَمْ نَيْلَ حَظِّ

(أدِمْ بالْحَزْمَ إقْبَالاً عَليْهِ

(عَسَى تَحْظَى بَتَوْفِيقٍ وَحِفْظِ

(وَنَقِّ الْقَلْبَ مِنْ شُبُهَاتِ زَيْغٍ

(تَرَاهُ مَعْنَويًّا ثُمَّ لَفْظِي

(وَرِدْ حَوْضَ الشَّرِيعَةِ مَعْ صَفَاءٍ

(وَجَانِبْ كُلَّ ذِي حَسَدٍ وَغَيْظِ

(وَرَقِّ النَّفْسَ بَالْعِرْفَانِ تَزْكُو

(وَتَظْفَرْ بَالْمُنَى مِنْ كُلِّ وَعْظِ

(وقَالَ بعض السلف: حبذا نوم الأكياس وفطرهم يغبنون به سهر الحمقى وصومهم، فالمحب الصادق إن نطق نطق لله وبالله، وإن سكت سكت لله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكن فسكونه استعانة على مرضات الله فهو لله وبالله ومع الله.

ومعلوم أن صاحب هذا المقام، أحوج خلق الله إلى العلم، فإنه لا تتميز له الحركة المحبوبة لله من غيرها ولا السكون المحبوب لله من غيره إلا بالعلم. فليست حاجته إلى العلم كحاجة من طلب العلم لذاته.

ولأنه في نفسه صفة كمال، بل حاجته إليه كحاجته إلى ما به قوام نفسه وذاته.

ولهذا اشتدت وصاة شيوخ العارفين لمريديهم بالعلم وطلبه، وإنه من لم يطلب العلم لم يفلح، حتى كانوا يعدون من لا علم له من السفلة.

قَالَ ذو النون وقد سئل من السفلة؟ فقَالَ: من لم يعرف الطريق إلى الله ولا يتعرفه.

وقَالَ أبو زيد: لو نظرتم إلى الرجل وقد أعطي من الكرامات حتى يتربع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود ومعرفة الشريعة.

وقَالَ أبو حمزة البزازي: مَن عَلِمَ طريقَ الحقِّ سُهِّلَ عليه سُلُوكُه، ولا دليل على الطريقةِ إلا متابعةُ الرسولِ في أَقواله وأفَعاله وأَحواله.

وقَالَ محمد بن الفضل الصوفي الزاهد: ذهاب الإسلام على يدي أربعة أصناف من الناس.

صِنْفٌ لا يَعْمَلُونَ بما يَعْلَمُون.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير