وسَمِعْتُه يقول: إنما هو يعني العِلْمِ ما جاء من فوق. وقَالَ سفيان: من فتنة الرجل إذا كان فقيهًا أن يكون الكلام أحب إليه من السكوت.
وقَالَ المروذي: قُلْتُ لأبي عبد الله: إن الْعَالِمَ يظنون عنده عِلْمُ كل شيء، فقَالَ: قَالَ ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إن الذي يُفْتِي الناسَ في كل ما يَسْتَفْتُونَه لمَجْوُن. وأنكر عبد الله على من يَتَهَجَّم في المسائل والجَوابات.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أبا عبد الله يقول: لِيَتَّقِ الله عَبْدٌ ولينظر ما يقول وما يتكلم فإنه مسئول.
وقَالَ: من أفتى الناس ليس يَنَبغِي له أن يُحِيلَ الناسَ على مذهبه ويُشَدِّد عليهم.
وقَالَ في رواية القاسم: إنما يَنْبَغِي أن يُؤمر الناسُ بالأمر البين الذي لا شك فيه ولَيْتَ الناس إذا أمِرُوا بالشيء الصحيح أن لا يجاوزوه.
ونقل محمد بن أبي طاهر عنه أنه سئل عن مسألةٍ في الطلاق، فقَالَ: سَلْ غيري ليس لي أن أفتي بالطلاق بشيء.
وقَالَ في رواية ابن منصور: لا ينبغي أن يُجِيبَ في كل ما يُسْتَفْتَى. وصح عن مالك أنه قَالَ: ذِلٌ وَإهَانَةٌ لِلْعَالِمْ أَنْ تجيب كُلَّ مَن سَأَلَكَ.
وقَالَ أيضاً: كلُّ مَن أَخْبَرَ النَّاسَ بكل مَا يَسْمَعُ فهُو مَجْنُون. وقَالَ أحمد: وفي رواية أحمد بن علي الأبار وقَالَ له رجل: حَلَفْتُ بِيَمِين لا أَدْرِي إيش هي. قَالَ: لَيْتَ أنك إذا دَرَيْتَ دَرَيْتَ أَنَا.
وقَالَ في رواية الأثرم: إذا هاب الرجل شيئًا فلا ينبغي أن يحمل على أن يقول.
وقَالَ في رواية المروذي: إن الذي يُفْتِي الناسَ يَتَقَلَّدُ أَمْرًا عَظِيمًا، وقَالَ يُقْدِمْ على أمرٍ عظيم يَنْبَغِي لِمَنْ أَفْتَى أَنْ يَكُون عالمًا بقول مَن تقدم وإلا فلا يُفْتِي.
وقَالَ في رواية الميموني: من تكلم في شيء ليس له فيه إمام أخاف عليه الخطأ.
وقَالَ الثوري: لا نزال نتعلم ما وجدنا من يعلمنا. وقَالَ أحمد: نحن الساعة نتعلم، وسأله إسحاق بن إبراهيم عن الحديث الذي جاء: «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار» ما معناه.
قَالَ أبو عبد الله: يُفتي بما لم يسمع. وقَالَ محمد بن أبي حرب: سمعت أبا عبد الله، وسُئِلَ عنَ الرجل يفتي بغير علم، قَالَ: يروى عن أبي موسى قَالَ: يمرق من دينه.
ونقل المروزي: أن رجلاً تكلم بكلام أنكره عليه أبو عبد الله قَالَ: هذا من حبه الدنيا يُسْئَلُ عن الشيء الذي لا يحسن فيحمل نفسه على الجواب.
ونحو هذا عن حماد، وقَالَ: كنت أسائل إبراهيم عن الشيء فيعرف في وجهي أني لم أفهم فيعيده حتى أفهم روَى ذلك الخلال وغيره.
اللَّهُمَّ نَجِّنَا برحمتك من النار وعافِنا من أُرِ الْخِزْي والبَوَارِ وأدْخِلنا بِفَضْلِكَ الْجَنَةَ دارَ القرارِ وعامِلْنَا بكَرَمِكَ وَجُودِكَ يا كريمُ يا غَفارُ، وَاغْفِرْ لنا وَلِوالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْياءِ مِنهُم وَالمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ، وصَلَّى الله على مُحمَّدٍ وعلى آلهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
(فَصْلٌ): قَالَ ابن وهب عن يونس عن الزهري: أن أبا بكر الصديق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حدث رجلاً بحديث فَاستَفْهَمَهُ الرجل فقَالَ الصديق هو: كما حدثتك، أيُّ أرض تقلني إذا قلت بما لا أعلم.
وروى نحوه من غير وجه عن أبي هريرة مرفوعًا: من أَفْتَى بفتيا غَير ثِبْتٍ فيها فإنما إثمه على الذي أفتاه. وفي لفظ: من أفتى بفتيا بغير علم كان إثم ذلك على الذي أفتاه. رواهما أحمد. وروى الثاني أبو داود، والأول ابن ماجة. وهو حديث جيد له طرق مذكورة في حواشي المنتقى.
وقَالَ الثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قَالَ: من أفتى الناس في كل ما يستفتونه فهو مجنون، وقَالَ مالك: عن يحيى بن سعيد عن ابن عباس مثله.
وقَالَ الزهري عن خالد بن أسلم قَالَ: كنا مع ابن عمر فسأله أعرابي أَتَرِثُ العمة؟ فقَالَ: لا أدري، قَالَ: أنت لا تدري، قَالَ: نعم اذهب إلى العلماء فاسألهم، فلما أدبر الرجل قَبَّلَ ابن عمر يده فقَالَ: نِعْمَ ما قَالَ أبو عبد الرحمن سئل عما لا يدري فقَالَ: لا أدري.
¥