وقَالَ سفيان بن عيينة والثوري عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قَالَ: أَدْرَكْتُ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ الأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ? مَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ يُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ إلا وَدَّ أَنَّ أَخَاهُ كَفَاهُ إيَّاهُ.
ولا يُسْتَفْتَى عن شيء إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفتوى. هذا لفظ رواية الثوري، ولفظ ابن عيينة: إذا سئل أحدهم عن المسألة ردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول.
وقَالَ أبو حصين وعثمان بن عاصم التابعي: إن أحدكم يُفتى في المسألة ولو وَرَدَتْ على عمر لجمع لها أَهْلَ بَدْرٍ.
وقَالَ القاسم، وابن سيرين: لأن يَمُوتَ الرجل جاهلاً خير له مِن أن يقول ما لا يعلم، وقَالَ مالك عن القاسم بن محمد: إنَّ مِن إكرام المرء لنفسه أن لا يقول إلا ما أحاط به علمه.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَيْلٌ لِمَنْ يَقُولُ لِمَا لا يَعْلَمُ: إنِّي أَعْلَمُ. وَقَالَ مَالِكٌ: مِنْ فِقْهِ الْعَالِمِ أَنْ يَقُولَ: لا أَعْلَمُ فَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يُهَيَّأَ لَهُ الْخَيْرُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا سَمِعْتُ مَالِكًا سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَجْلانَ يَقُولُ: إذَا تَرَكَ الْعَالِمُ لا أَدْرِي أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ. وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيه عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ دَاوُد بنْ أَبِي الزُّبَيْر الزُّبَيْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَجْلانَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَذَكَرَهُ وَقَدْ سَبَقَ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَلَمْ يُجِبْهُ فَقَالَ الرَّجُلُ: إنَّ فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْئًا فَأَجِبْنِي.
فَقَالَ: إنْ يَكُنْ فِي نَفْسِك مِنْهَا مِثْلُ أَبِي قُبَيْسٍ أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ فِي نَفَسِي مِنْهَا مِثْلُ الشَّعْرَةِ.
وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: سَأَلَ رَجُلٌ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَطَالَ تَرْدَادُهُ إلَيْهِ فِيهَا وَأَلَحَّ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ يَا هَذَا إنِّي لَمْ أَتَكَلَّمْ إلا فِيمَا أَحْتَسِبُ فِيهِ الْخَيْرَ وَلَسْتُ أُحْسِنُ مَسْأَلَتَكَ هَذِهِ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: الْعَجَلَةُ فِي الْفَتْوَى نَوْعٌ مِنْ الْجَهْلِ وَالْخُرْقِ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لا يَكَادُ يُفْتِي فُتْيَا وَلا يَقُولُ شَيْئًا إلا قَالَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْنِي وَسَلِّمْ مِنِّي. ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَلا سِيَّمَا إنْ كَانَ مَنْ يُفْتِي يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلاً لِلْفَتْوَى لِفَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ وَلا يَعْلَمُ النَّاسَ ذَلِكَ مِنْهُ.
فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إفْتَاءُ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْحَالِ بِلا إشْكَالٍ فَهُوَ يُسَارِعُ إلَى مَا يَحْرُمُ لا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ عَرَضَ الدُّنْيَا.
وَأَمَّا السَّلَفُ فَكَانُوا يَتْرُكُونَ ذَلِكَ خَوْفًا وَلَعَلَّ غَيْرَهُ يَكْفِيهِ، وَقَدْ يَكُونُ أَدْنَى لِوُجُودِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: الَّذِي يُحَدِّثُ بِالْبَلْدَةِ وَبِهَا مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْحَدِيثِ فَهُوَ أَحْمَقُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: مَا أَفْتَيْتُ حَتَّى شَهِدَ لِي سَبْعُونَ أَنِّي أَهْلٌ لِذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَسَحْنُونٌ أَجْسَرُ النَّاسِ عَلَى الْفُتْيَا أَقَلُّهُمْ عِلْمًا. وقَالَ سَحْنُونٌ: أَشْقَى النَّاسِ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ.
وَقَالَ: فِتْنَةُ الْجَوَابِ بِالصَّوَابِ أَشَدُّ مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ: أَدْرَكْتُ الْفُقَهَاءَ وَهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ يُجِيبُوا فِي الْمَسَائِلِ وَالْفُتْيَا حَتَّى لا يَجِدُوا بُدًّا مِنْ أَنْ يُفْتُوا. وَقَالَ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْفُتْيَا أَسْكَتُهُمْ عَنْهَا وَأَجْهَلُهُمْ بِهَا أَنْطَقُهُمْ فِيهَا.
¥