وَكَمْ عَلَّقَ اللهُ العظيمُ في كِتَابِهِ العَزِيزِ عَلَى التَّقْوَى مِنْ خَيْرَاتٍ عَظِيمَةٍ وَسَعَادَاتٍ جَسِيمَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَعِيَّةُ الخاصَّةُ الْمُقْتَضِيَةُ للحفظ والعِنَايَةِ والنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ، قَالَ تَعَالى: ? وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ? وَمِنْ ذَلِكَ الْمَحَبَّةُ لَمِنَ اتَّقَى اللهَ، قال الله تعالى: ? فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ?.
وَمِنْ ذَلِكَ التَّوْفِيقُ لِلْعِلْمِ قَالَ تَعَالَى: ? وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ ? وَمِنْ ذَلِكَ نَفْيُ الخَوْفِ والحُزْنِ عَنِ المُتَّقِي المُصْلِح قَالَ اللهُ تَعَالَى: ? فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ? وَمِنْ ذَلِكَ الفُرْقَانُ عِنْدَ الاشْتِبَاهِ وَوَقُوعِ الإشْكَالِ وَالكَفَّارَةِ لِلسَّيِّئَاتِ وَالمَغْفِرَةِ لِلذُّنُوبِ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ? يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ?.
وَمِنْ ذَلِكَ النَّجَاةُ مِنَ النَّارِ قَالَ اللهُ تَعَالى: ? وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا ?، وَقَالَ تَعَالى: ? وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ?، وَمِنْ ذَلِكَ الْمَخْرَجُ مِنْ الشَّدَائِدِ وَالرِّزْقُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ، قَالَ تَعَالى: ? وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ?.
وَمِنْ ذَلِكَ اليُسْرُ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ? وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ?، وَمِنْ ذَلِكَ عِظَمُ الأَجْرِ، قَالَ تَعَالى: ? وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ?، وَمِنْ ذَلِكَ الوَعْدُ مِنَ اللهِ بِالْجَنَّةِ، قَالَ تَعَالَى: ? جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ? الآيَاتْ، إِلى قَوْلِهِ: ? مَن كَانَ تَقِيّاً ?.
شِعْرًا:
وَأَحْسَنُ وَجْهٍ في الوَرَى وَجْهُ مُتَّقٍ
(وَأَقْبَحُ وَجْهٍ فِيهِمْ وَجْهُ كَافِرِ
(آخر:
وَمِنْ أَضْيَعِ الأَشْيَاءِ مُهْجَةُ ذِي التُّقَى
(يَجُوزُ عَلَى جَوْبَائِهَا حُكْمُ جَائِرِ
(وَقَالَ تَعَالى: ? وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ?، وَقَالَ تَعَالى: ? إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ?، وَقَالَ تَعَالى: ? إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ?، وَقَالَ تَعَالى: ? الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ?.
وَمِنْ ذَلِكَ الكَرَامَةُ عِنْدَ اللهِ بالتَّقْوَى، قَالَ تَعَالى: ? إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ?، إِذَا فَهِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ التَّقْوَى هِيَ امْتِثَالُ الأَوَامِرْ وَاجْتِنَابُ النَّوَاهِي، فَالْمُتَّقُونَ هُمُ الذِّينَ يَرَاهُم اللهُ حَيْثُ أَمْرَهُمْ وَلا يُقْدِمُونَ عَلَى مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ.
الْمُتَّقُونَ هُمُ الذين يَعْتَرِفُونَ بالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِمْ وَيَعْرِفُونَهُ وَيُؤَدُّونَهُ، وَيُنْكِرُونَ البَاطِلَ وَيَجْتَنِبُونَهُ وَيَخَافُونَ الرَّبَّ الْجَلِيلَ الذِي لا تُخْفَى عَلَيْهِ خَافِيةٌ، الْمُتَّقُونَ يَعْمَلُونَ بِكِتَابِ اللهِ فَيُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَهُ وَيُحِلُّونَ مَا أَحَلَّهُ.
وَلا يَخُونُونَ فِي أَمَانَةٍ، وَلا يَرْضُونَ بِالذُّلِّ وَالإِهَانَةِ، وَلا يَعْقُونَ وَلا يَقْطَعُونَ، وَلا يُؤْذُونَ جِيرَانَهُمْ، وَلا يَضْرِبُونَ إِخْوَانَهُمْ، يَصِلُونَ مَنْ قَطَعَهُمْ، وَيُعْطُونَ مَنْ حَرَّمَهُمْ، وَيَعْفُونَ عَمَّنْ ظَلَمَهُمْ، الْخَيْرُ عِنْدَهُمْ مَأْمُولٌ، وَالشَّرُّ مِنْ جَانِبِهِمْ مَأْمُونٌ، لا يَغْتَابُونَ، وَلا يَكَذِبُونَ، وَلا يُنَافِقُونَ.
وَلا يَنمُّونَ، وَلا يَحْسِدُونَ، وَلا يُرَاءُونَ، وَلا يُرَابُونَ، وَلا يَقْذِفُونَ، وَلا يَأْمُرُونَ بِمُنْكَرِ وَلا يَنْهَوْنَ عَنْ مَعْرُوفْ، بَلْ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهُونَ عَنِ الْمُنْكَرْ، تِلْكَ صِفَاتُ الْمُتَّقِينَ حَقًّا الذينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُون.
إِخْوَانِي لَوْ تَحَلَّى كُلِّ مِنَّا بِالتَّقْوَى لِحَسُنَ عَمَلُهُ، وَخَلُصَتْ نِيّتُه، وَاسْتَقَامَ عَلَى الْهُدَى، وَابْتَعَد عَنِ الْمَعَاصِي وَالرَّدَى، وَكَانَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ النَّاجِينَ.
¥