تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لما كان الناس يتعاملون بها وتقع بين الناس احتاج العلماء عند بيانهم لأحكام البيع أن يبينوا أحكام هذه الشروط، فهناك شروط أذن الله بها ويجب على البائع والمشتري أن يمضياها، وهناك شروط حرمها الله عز وجل ولم يأذن بها، وهذا الذي حرمه الله عز وجل منه ما يوجب فساد البيع، أي: إذا وجد يفسد الشرط ويفسد البيع، ومنها ما يكون فاسداً في نفسه لكنه لا يفسد البيع، فنقول: البيع صحيح وعلى البائع أن يمضي الصفقة وعلى المشتري أن يمضي الصفقة؛ ولكن يسقط هذا الشرط فوجوده وعدمه على حد سواء. هذه الشروط الجعلية مهمة جداً وطلاب العلم يحتاجون إلى معرفة أحكامها وبيان ما الذي يترتب على الشرط المشروع، وما الذي يترتب على الشرط الممنوع، وعلى هذا قال المصنف رحمه الله: [باب الشروط في البيع] وهناك فرق بين قولنا: (باب شروط البيع) وبين قولنا: (باب الشروط في البيع)، فشروط البيع هي الشروط الشرعية، والشروط في البيع هي التي يدخلها المتعاقدان أو أحدهما، أو تقول: يدخلها أحد المتعاقدين أو هما معاً، ولذلك لو سئلت: ما الفرق بين شرط الشيء والشرط في الشيء؟ تقول: شرط الشيء: هو ما نصبه الشرع من أمارة وعلامة لصحته أو وجوبه، ومن الأمثلة على ما يكون لوجوبه: أن الزوال شرط لوجوب صلاة الظهر، ومن الأمثلة على ما يكون لصحته: أن الطهارة شرط لصحة الصلاة وأما الشرط في الشيء فتقول: هو ما يدخله المتعاقدان أو أحدهما، سواء المتعاقدان في بيع، أو المتعاقدان في نكاح، فالآن لو تعاقد شخص مع ولي امرأة قال له: زوجتك بنتي بعشرة آلاف، تدفع خمسة آلاف نقداً، وخمسة آلاف إلى أجل، فهذا شرط في النكاح، ويسمى: (شرطاً في النكاح) ولا يسمى: (شرطاً للنكاح)، فهذا معنى قول المصنف: [باب الشروط في البيع] كأنه يقول رحمه الله: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من المسائل والأحكام التي تتعلق بالشروط التي تكون بين المسلمين في بيوعاتهم. والشروط الكلام فيها في مواضع: الموضع الأول: ما هو موقف الشرع من الشروط في البيع؟ نقول: دلت الأدلة على مشروعية الشروط في البيع، والدليل الأول: قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] فإن هذه الآية الكريمة ألزم الله فيها المتعاقدين بالوفاء بالعقد، والعقد هنا مطلق يشمل العقد المشتمل على الشروط والعقد الذي لا شرط فيه، فإذا اشترط عليه فكأنه من العقد، وعلى هذا يكون قوله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] أي: أمضوها بشروطها إذا كانت مشروعة. الدليل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) فهذا يدل دلالة واضحة على أنه ينبغي للمسلم أن يفي بشرطه، وأنه يلزمه أن يفي لأخيه المسلم بما اشترط على نفسه تجاهه، ولا يجوز له أن يختله ولا أن يخدعه ولا أن يغشه وعليه أن يمحضه النصيحة بالوفاء له. وكذلك أيضاً دل دليل الأثر فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في كلمته المشهورة: (مقاطع الحقوق عند الشروط)، أي: إذا أردت أن تقطع الحق فتعطي مال الناس للناس، وتأخذ مالك من هذه الحقوق فإنما يكون بالشروط، فإذا كان بينك وبين أخيك المسلم شرط ووفيت له الشرط على أتم الوجوه وأكملها فقد قطعت له حقه كاملاً، وعلى هذا (مقاطع الحقوق عند الشروط) معناه: أنه يلزم المسلم إذا أراد أن يؤدي حق أخيه المسلم أن ينظر ما الذي اشترطه على نفسه تجاهه فيؤدي له ذلك الشرط كاملاً تاماً. وأداء الشروط والقيام بها من النصيحة، والله عز وجل أوجب على المسلم أن ينصح لأخيه المسلم. ومن الغش أن يشترط عليه ويقول له: هل السيارة من نوع كذا؟ قال: من نوع كذا، فجاء فإذا السيارة ليست كما قال، فمعنى ذلك أنه غشه وأنه كذب عليه، والغش والكذب لا يأذن الله بهما، وإذا وفى له وأدى له الأمر كما اتفقا فقد صدق وبيَّن، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما) فالله يبارك لك في المال الذي تأخذه ويبارك لك في الصفقة التي تأخذها إذا وفيت بشروطها، وعلى هذا أجمع المسلمون من حيث الجملة على جواز الشروط في البيع. والشروط في البيع تنقسم إلى أقسام: القسم الأول: ما هو صحيح وأذن الشرع به. القسم الثاني: ما هو غير صحيح ولم يأذن الشرع به، بل هو يخالف الشرع ويضاده. فأما الشروط الصحيحة: فهي التي تكون من مقتضيات العقد أو مما يعين على إمضاء

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير