وكان بعض ضعاف النفوس يُدخل في كتب الناس أحاديث ليست من أحاديثهم، منهم حبيب بن أبي حبيب أبو محمد المصري وقيل المدني كاتب مالك، قال ابن حبان: كان يورّق بالمدينة على الشيوخ، ويروي عن الثقات الموضوعات، كان يدخل عليهم ما ليس من حديثهم، وسماع ابن بكير وقتيبة كان بعَرْض ابن حبيب، ذكره الذهبي في "الميزان" ().
وقال ابن حبان في مقدمة كتابه "المجروحين": ((وجماعة من أهل المدينة امتحنوا حبيب بن أبي حبيب الورّاق، كان يُدْخل عليهم الحديث، فمن سمع بقراءته عليهم فسماعه لا شيء. كذلك كان عبدالله بن ربيعة القدامي بالمصيصة، كان له ابن سوء يُدخل عليه الحديث عن مالك وإبراهيم بن سعد وذويهم، وكان منهم سفيان بن وكيع بن الجرّاح – وكان له وراق يقال له: (قرطمة)، يدخل عليه الحديث في جماعة مثل هؤلاء، ويكثر عددهم.
أخبرني محمد بن عبدالسلام ببيروت، حدثنا جعفر بن أبان الحافظ، قال: سألتُ ابن نمير عن قيس بن الربيع، فقال: كان له ابنٌ هو آفته، نظر أصحاب الحديث في كُتبه فأنكروا حديثه، وظنوا أن ابنه قد غيّرها)) ().
وشرط الاتصال تدخل العلة فيه في أحاديث الثقات المعروفين حتى في رواياتهم عن مشايخهم الذين لازموهم، ورافقوهم في الحل والترحال، فقد تفوت روايات عنهم لم يتمكنوا من سماعهم لها.
ومادام هذا الفوت قد حصل للصحابة الذين صحبوا النبي ? وربما لازموه، وقد تأتي أسباب للغياب يغيب أحدهم عن بعض المجالس، فيروي الرواية عن الصحابي عن النبي ? وسميت مراسيل الصحابة، ولها حكم خاص عند أهل الحديث، فما دام هذا يحصل في الصحابة ففي غيرهم من باب أولى.
وقد يخفى عدم السماع خفاءً شديداً في صورة المرسل الخفي والتدليس.
وشرط عدم الشذوذ واضح في صحة الخبر، وإنما قلنا: إن الشذوذ علة من العلل، لأنه يكون خفياً ولا يظهر إلا بعد جمع الروايات والطرق الكثيرة حتى تثبت مخالفته لمن هو أوثق منه.
فقد يجد الناظر حديثاً قد شذ فيه وخالف فردٌ عدة رواة، ولكنه لم يجمع الطرق فقد يخفى الأمر عليه، ويحكم على الحديث بالصحة.
فمع وجود الشروط الأخرى قد يفقد الحديث شرط عدم الشذوذ فتعلّ الرواية بالضعف، وقد لا تظهر العلة والشذوذ إلا بعد النظر الشديد ومضي الزمن البعيد.
قال علي بن المديني: ربما أدركت علة حديث بعد أربعين سنة ().
روى ابن حبان في كتاب "المجروحين" قال: ((حدثنا عبدالله بن قحطبة بفم الصلح قال: حدثنا أحمد بن زكريا الواسطي قال: سمعت أبا الحارث الورّاق يقول: جلسنا على باب شعبة نتذاكر السنة فقلت: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبدالله بن عطاء عن عقبة بن عامر عن النبي ? قال: ((من توضأ فأحسن الوضوء دخل من أي أبواب الجنة شاء))، فخرج شعبة بن الحجاج، وأنا أحدِّث بهذا الحديث فصفعني ثم قال: يا مجنون: سمعت أبا إسحاق يحدث عن عبدالله بن عطاء عن عقبة بن عامر فقلت: يا أبا إسحاق سمعتَ عبدالله بن عطاء يحدث عن عقبة بن عامر؟ فقال: اسكت، فقلت (): لا أسكت، فالتفت إلى مِسْعر بن كدام فقال: يا شعبة عبدالله بن عطاء حَيّ بمكة فخرجت إلى مكة، فلقيت عبدالله بن عطاء، فقلت: حديث الوضوء؟ فقال: عقبة بن عامر، فقلت: يرحمك الله سمعتَ منه؟ قال: لا، حدثني سعد ابن إبراهيم، فمضيت فلقيت سعد بن إبراهيم، فقلتُ: حديث الوضوء؟ فقال: من عندكم خرج، حدثني زياد بن مِخْراق، فانحدرت إلى البصرة، فلقيت زياد ابن مخراق -وأنا شَحِب اللون وسخ الثياب كثير الشعر- فقال: من أين؟ فحدثته الحديث، فقال: ليس هو من حاجتك، قلت: فما بُدٌّ، قال: لا حتى تذهب وتدخل الحمام، وتغسل ثيابك، ثم تجيء فأحدثك به، قال: فدخلت الحمام وغسَّلْتُ ثيابي ثم أتيته فقال: حدثني شهر ابن حوشب، قلت: شهر بن حوشب عمّن؟ قال: عن أبي ريحانة، قلت: هذا حديث صَعِد ثم نزل دمّروا عليه، ليس له أصل)) ().
فهذا الحديث لم تظهر لشعبة علته إلا بعد فترة وبعد كدّ وسفرات ورحلات.
وينبغي أن يذكر أن أسباب ردّ الحديث كما ذكر ابن حجر اثنان:
1 - السقط في الإسناد.
2 - الطعن في الراوي.
ثم السقط: إما أن يكون ظاهراً أو خفياً، فالسقط الظاهر يشمل المعلق والمرسل والمعضل والمنقطع.
¥