والسقط الخفي يشمل المدلَّس، الذي يرد بصيغة من صيغ الأداء، والرواية تحتمل وقوع اللقي بين المدلِّس، ومن أسند عنه، كعن وقال، وكذلك يشمل السقط الخفي المرسل الخفي، إذا صدر من معاصر لم يلق من حدث عنه بل بينه وبينه واسطة.
والفرق بين المدلَّس والمرسل الخفي: أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، فأما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي.
ثم الطعن في الراوي: إما أن يكون في عدالته أو في ضبطه، والطعن في العدالة يشمل:
1 - كذب الراوي في حديث النبي ?.
2 - كونه متهماً بالكذب بأن يكون معروفاً بالكذب في كلامه، لا في حديث النبي ?.
أو روى حديثاً مخالفاً للقواعد المعلومة، ولا يروى هذا الحديث إلا من جهته.
3 - الفسق بارتكاب الكبائر قولاً أو فعلاً.
4 - البدعة: وهي اعتقاد ما أحدث على خلاف المعروف عن النبي ? بنوع شبهة لا بمعاندة.
5 - الجهالة: بأن لا يعرف في الراوي تعديل ولا تجريح معين.
وأما الطعن في ضبط الراوي فيشمل:
1 - فحش غلطه أي غلبة خطئه على صوابه.
2 - غفلته عن الإتقان.
3 - وهمه بأن يروي على سبيل التوهم.
4 - مخالفته للرواة الآخرين.
والمخالفة تشمل أنواعاً:
1 - أن يخالف الراوي في تغيير سياق الإسناد أو المتن فيسمى: المدرج.
2 - أن يخالف الراوي بتقديم المتأخر وتأخير المتقدم في الإسناد أو المتن، فيسمى: مقلوباً.
3 - أن يزيد راوياً في الإسناد ما لم يزده الآخرون فيسمى: المزيد في متصل الأسانيد.
4 - أن يخالف الرواة بإبدال راوٍ براوٍ أو برواة في إسناد واحد، وكذلك إبدال شيء في متن الحديث الواحد مرة بلفظ ومرة بلفظ آخر، فيسمى: مضطرباً.
5 - كذلك يخطئ في الكلمة فيغير سياقها فيسمى: المصحف والمحرف ().
وفي هذه الأقسام المردودة من الأحاديث يدخل في باب علل الحديث كل ما فيه خفاء وعدم ظهور، وسيكون الكلام فيما ظهر الخفاء فيه فقط.
أسباب العلة في الحديث
إن أهم أسباب العلة القادحة في الحديث:
1 - الخطأ والنسيان الذي لا يسلم منه أي بشر مع كونه موصوفاً بالضبط التامّ.
ومثل هذا الخطأ يكون نادراً من الثقة، ومع ذلك ليس من المعقول ولا من المشروع أن يصحح خطأهُ، ويستر عليه ولا يُبين، فالمنهج السليم أن يُعيَّن ويُبيَّن للناس حتى لا يتتابعوا في الخطأ.
قال ابن معين: ((من لم يخطئ فهو كذاب)).
و قال ابن المبارك: ((من يسلم من الوهم؟)).
وقد وهّمت عائشة جماعة من الصحابة في رواياتهم، وقد جمع الزركشي جزءاً في ذلك.
ووهّم سعيد بن المسيب ابن عباس في قوله: ((تزوج النبي ? ميمونة وهو محرم)) ().
وهذا شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام رحمه الله قال فيه عبدالرحمن بن مهدي: ((كان سفيان الثوري يقول: شعبة أمير المؤمنين في الحديث)).
وقال الشافعي: ((لولا شعبة ما عُرف الحديث بالعراق، كان يجيء إلى الرجل فيقول: لا تحدث، وإلا استعديت عليك السلطان))، وقال أحمد أيضاً: ((شعبة أعلم بحديث الحكم، ولولا شعبة ذهب حديث الحكم ولم يكن في زمن شعبة مثله في الحديث، ولا أحسن حديثاً منه، كان قُسِمَ له من هذا حظ)) ().
وقال أحمد أيضاً: ((كان شعبة أمة وحده في هذا الشأن (يعني في الرجال) وبصره في الحديث وتثبته وتنقيته للرجال)) ()، ولكن مع ذلك قد ضبط الأئمة أخطاءً عليه، وسجلوها في أقوالهم ومصنفاتهم.
ومعلوم أنه من أشد الناس على التدليس والمدلسين، ومع ذلك روى عن شيوخ ولم يسمع منهم.
قال الإمام أحمد: ((أخطأ شعبة في اسم خالد بن علقمة فقال: مالك بن عُرفُطة، وأخطأ أيضاً في سلَم بن عبدالرحمن، فقال: عبدالله بن يزيد في حديث الشكال في الخيل () قلب اسمه.
وأخطأ شعبة: في اسم أبي الثورين فقال: أبو السوَّار، وإنما هو أبو الثورين.
قال عبدالله بن أحمد قلت لأبي من هذا أبو الثورين؟ فقال: رجل من أهل مكة مشهور، اسمه محمد بن عبدالرحمن من قُريْش، قلت لأبي: إن عبدالرحمن ابن مهدي زعم أن شعبة لم يخطئ في كنيته فقال: هو أبو السوار.
قال أبي: عبدالرحمن لا يدري أو كلمه نحوها)) ().
وقال أحمد أيضاً: ((أخطأ شعبة في حديث علي بن زيد عن يوسف بن مهران فقال: يوسف بن ماهك وهو خطأ إنما هو ابن مهران)) ()، ولذلك كانت الرواية من الكتب أصح وأقوى من الرواية بالحفظ قال الخطيب: الاحتياط للمحدث، والأولى به أن يروي من كتابه ليَسْلَم من الوهم والغلط، ويكون جديراً بالبُعد من الزلل.
¥