ثم ذكر بإسناده عن أبي زرعة قال: سمعت أبا نعيم، وذكر عنده حماد بن زيد، وابن عُلية، وأن حماداً أحفظ عن أيوب وابن عُلية كَتَبَ، فقال: ضَمِنتُ لك أن كل من لا يرجع إلى الكتاب لا يؤمن عليه الزلل ثم ذكر بإسناده عن أحمد بن حنبل: ما كان أحدٌ أقل سقطاً من ابن المبارك: كان رجُلاً يحدث من كتاب، ومن حدَّث من كتاب لا يكاد يكون له سقط كبير شيء ().
2 - من أسباب وقوع العلل في الحديث: خفة ضبط الراوي.
ونعني بالخفة في الضبط ما يعبّر عن صاحبها بالصدوق أو بـ "لا بأس به" أو "ليس به بأس" أو نحوهما.
وهو الراوي الذي جعل الأئمة حديثه حسناً لذاته، وهو الذي قال ابن حجر في حديثه: فإن خف الضبط أي قلَّ فهو الحسن لذاته ().
وما مقدار خفة الضبط؟ لا نجد له ضابطاً في كلام الأئمة إلا ما يذكره الأئمة في ترجمة الراوي بعد سبر مروياته، له أحاديث أنكرت عليه، مثل ما قال ابن عدي في ترجمة إبراهيم بن بشار أبي إسحاق الرمادي.
وإبراهيم بن بشار هذا، لا أعلم أنكر عليه إلا هذا الحديث الذي ذكره البخاري، وباقي حديثه عن ابن عيينة وأبي معاوية وغيرهما من الثقات، وهو مستقيم في غير ذلك عندنا من أهل الصدق ().
وقال في ترجمة أزور بن غالب بن تميم البصري بعد ما ذكر له حديثاً: ((وهذا الحديث وإن كان موقوفاً على أنس فهو منكر؛ لأنه لا يعرف للصحابة الخوض في القرآن.
والحديثان الآخران اللذان أمْلَيْتُهُمَا قبل هذا لم يروهما عن الأزور غير يحيى ابن سُليَمْ، وهو من حديث سليمان التيمي لا يروى إلا من هذا الطريق، والأزور بن غالب غير ما ذكرت من رواية يحيى بن سليم عنه أحاديث معدودة يسيرة: غير محفوظة، وأرجو أن لا بأس به)) ().
فإذا كان الراوي يروي مائة حديث، وأخطأ في حديثين أو ثلاثة؛ لا نطرح باقي مروياته إذا تعينت تلك الروايات التي أخطأ فيها فقد أمِنّا حفظه وضبطه للروايات الأخرى فتكون صحيحة أو حسنة.
ولكن يجب على المحدث أن يضبط تلك الروايات التي حكم الأئمة عليها بالخطأ حتى لا يُصحّح حديثاً خطأ. وهذا لا يحصل لعامة المشتغلين في الحديث، فقد يصحح حديثاً خطأً للراوي لأنه خفي عليه خطؤه.
3 - من أهم أسباب العلة في الحديث: اختلاط الراوي أو تغيره بآخرته، وهذا السبب متعلق بالضبط أيضاً.
والاختلاط:
قال ابن منظور اختلط فلان: أي فَسَدَ عقله، ورجلٌ خَلط بَيّن الخلاطة، أحمق مخالط العقل.
ويقال: خولط الرجل فهو مخالط، واختلط عقله فهو مختلط إذا تغيّر عقله ().
والاختلاط في اصطلاح أهل الحديث: هو كون الراوي ثقة حافظاً، ثم يطرأ سوء الحفظ عليه لسبب من الأسباب.
قال ابن حجر: ((ثم سوء الحفظ إن كان لازماً فهو الشاذ على رأي بعض أهل الحديث.
أو كان سوء الحفظ طارئاً على الراوي: إما لكبره أو لذهاب بصره أو لاحتراق كتبه أو عدمها بأن كان يعتمدها، فرجع إلى حفظه، فساء فهذا هو المختلط)) ().
والاختلاط في الإنسان أمر كوني قدري لا يلام عليه، ولكن الكلام على روايته، فالمُضْعِفُ لرواية الشيخ: أن يروي شيئاً حين اختلاطه، ولم يتميز من روى عنه قبل الاختلاط ممن روى عنه بعد الاختلاط.
وللاختلاط أسباب وعوارض كما أشار إليه ابن حجر، ولكن لمعرفة وقت الاختلاط ومراحل اختلاط الراوي، طرق مختلفة، وجهود مباركة لأئمتنا، حتى نجد أحدهم يصف بعض المختلطين بأنه بدأ يختلط قليلاً، ولم يختلط، واختلط حتى لا يفهم شيئاً.
فالاختلاط حالة نفسية تطرأ على الإنسان لأسباب وعوارض تؤثر في عقله وحفظه وينظر تفاصيل هذا الفن في الكتب المخصصة له.
فالمختلط له أحوال:
1 - أن يكون الراوي عنه سمع منه قبل الاختلاط، ولم يسمع منه بعد الاختلاط فهذا روايته عنه صحيحة.
قال أحمد بن حنبل: ((سمع وكيع من المسعودي بالكوفة قديماً وأبي نعيم أيضاً، وإنما اختلط المسعودي ببغداد، ومن سمع منه بالبصرة والكوفة فسماعُهُ جيد)) ().
وأورده ابن الكيال، وقال: ((وعلى هذا تُقبل روايةُ كل من سمع منه بالكوفة والبصرة وقبل أن يقدم بغداد، كأميّة بن خالد، وبشر بن المفضل، وجعفر بن عون، وخالد بن الحارث، وسفيان الثوري، وأبي قتيبة سلم بن قتيبة، وطَلْق بن غنام، وعبدالله بن رجاء، وعثمان بن عُمر بن فارس: وعمرو ابن مرزوق، وعمرو بن الهيثم، والقاسم بن معن بن عبدالرحمن ومعاذ بن معاذ العنبري، والنضر بن شميل، ويزيد بن زُرَيْع)) ().
¥