قال البرذعي: قلت لأبي زرعة: قرة بن حبيب تغيّر؟ فقال: نعم، كنا أنكرناه بآخره غير أنه كان لا يحدث إلا من كتاب به ولا يحدث حتى يحضر ابنه، ثم تبسم، فقلت: لم تبسمتَ؟ قال: أتيته ذات يوم وأبو حاتم فقرعنا عليه الباب، واستأذنا عليه، فدنا من الباب ليفتح لنا، فإذا ابنته قد خفّت، وقالت له: يا أبت، إن هؤلاء أصحاب الحديث، ولا آمن أن يُغلِّطوك أو يدخلوا عليك ما ليس من حديثك، فلا تخرج إليهم حتى يجيء أخي يعني علي بن قرة – فقال لها: أنا أحفظ فلا أمكنهم ذاك، فقالت: لست أدعك تخرج فإني لا آمنهم عليك، فما زال قرة يجتهد ويحتج عليها في الخروج وهي تمنعه وتحتج عليه في ترك الخروج إلى أن يجيء علي بن قرة، حتى غلبت عليه ولم تدعه، قال أبو زرعة: فانصرفنا وقعدنا حتى وافى ابنه علي، قال أبو زرعة: فجعلت أعجب من صرامتها وصيانتها أباها ().
حكم رواية المختلط:
قال ابن حجر: ((والحكم فيه أن ما حدث به قبل الاختلاط إذا تميّز، قُبل، وإذا لم يتميز تُوقف فيه، وكذا من اشتبه الأمر فيه، وإنما يعرف ذلك باعتبار الآخذين عنه)) ().
يعني: إذا عرف عن طريق تلامذته أن هذا الحديث بعينه أخذ عنه التلميذ قبل الاختلاط يكون مقبولاً صحيحاً.
وإذا عرف أن التلميذ أخذ عنه بعد الاختلاط، توقف فيه ولم يعمل به، وإذا لم يعمل به، صار في حيّز المردود.
وكذلك إذا لم يعرف، هل أخذ منه التلميذ هذا الحديث بعينه قبل الاختلاط أو بعده، توقف فيه حتى يوجد له متابعات وشواهد توافقه، فتقويه وتصححه، وإلا يبقَ متوقفاً فيه غير معمول به.
وهذا هو مقصود من قال: ترد روايته، أو تسقط روايته.
قال ابن الصلاح: ((والحكم فيهم (أي المختلطين)، أن يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط، ولا يقبل حديث من أخذ عنهم بعد الاختلاط أو أشكل أمره فلم يعرف هل أُخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده)) ().
وقال السخاوي: ((فما روى المتصف بذلك في حال اختلاطه، أو أبهم الأمر فيه وأشكل بحيث لم يعلم أروايته صدرت في حال اتصافه به أو قبله؟ سقط حديثه في الصورتين، بخلاف ما رواه قبل الاختلاط لثقته، هكذا أطلقوه)) (). وقال نحوه في "فتح الباقي" ().
فليس قصدهم رَدَّ رواية المختلط الذي روى عنه تلميذه بعد الاختلاط، أو أشكل أمره هل سمع قبل أو بعد؟ وإنما المقصود: أن حديث المختلط من هذا النوع لا يقبل بانفراده، ويبقى متوقفاً فيه للاعتبار، ليس مردوداً مطلقاً، ولا ساقطاً.
4 - ومن أسباب العلة في الحديث: الاضطراب، وهو داخل في عدم تمام الضبط.
وهذه العلة أيضاً من الأسباب الخفية المضعّفة لحديث الراوي، لأنها لا تظهر إلا بجمع الطرق والأسانيد وألفاظ المتون.
والاضطراب: افتعال من ضرب، فأصل الكلمة اضْتَرَب، فأُبدلت التاء طاءً، فصار اضطرب فهو مضطرب.
والاضطراب يأتي بمعنى الاختلاف، يقال: اضطرب الحبل بين القوم إذا اختلفت كلمتهم، واضطرب أمره اختلّ واضطرب تحرك وماج ().
وأما تعريف المضطرب اصطلاحاً:
فقد قال ابن الصلاح: ((المضطرب من الحديث، هو الذي تختلف الرواية فيه، فيرويه بعضهم على وجه، وبعضهم على وجه آخر مخالف له.
وإنما نسميه مضطرباً إذا تساوت الروايتان)) ().
والاضطراب قد يكون في السند، وقد يكون في المتن، وتارة فيهما.
قال ابن الصلاح: ((يقع الاضطراب في متن الحديث، وقد يقع في الإسناد، وقد يكون على شخص واحد، وقد يكون على أكثر من ذلك)) ().
وحكمه: أنه سبب مُضَعَّفٌ للحديث.
قال ابن الصلاح: ((والاضطراب موجب ضعف الحديث لإشعاره بأنه لم يضبط)) (). وتأتي أمثلته في الباب الثاني إن شاء الله.
5 - ومن أسباب العلة: ما يتعلق بشرط الاتصال: وهو الانقطاع.
فإن كان ظاهراً لا يدخل في تعريف العلة، ولكن إذا كان الانقطاع خفياً وهو: الذي يسمى مرسلاً خفياً فيدخل في صميم تعريف العلة وهو ما إذا كان الانقطاع بين طالب وشيخه الذي سمع منه الكثير، ولازمه، فإذا كان مثل هذا التلميذ روى عن شيخه بواسطة، ثم حذف الواسطة، دخلت العلة هنا، فلا ينتبه لها إلا من له درك وجُهد في جمع الطرق الكثيرة. هذا إذا لم يكن التلميذ معروفاً بالتدليس.
¥