ولئن بقيتُ لأرحلنَّ بغزوةٍ تحوي الغنائم أو يموت كريمُ
يعني: نفسه.
وسيأتي تحرير هذا المبحث إن شاء الله في سورة القارعة. وتحرير المعنى على هذا القول: أنت يا محمد منذر، وأنا هادي كل قوم سبقتْ لهم السعادة والهدى في علمي؛ لدلالة آيات كثيرة على أنه يتعالى هدى قوماً وأضل آخرين، على وفق ما سبق به العلم الأزلي، كقوله تعالى: {إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ}.
الثالث: أن معنى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد} أي: قائد، والقائد: الإمام والإمام: العمل. قاله أبو العالية، كما نقله عنه ابن كثير.
وعلى هذا القول، فالمعنى: ولكل قوم عمل يهديهم إلى ما هم صائرون إليه من خير وشر. ويدلُّ لمعنى هذا الوجه قوله تعالى: {هنالك تتلو كل نفسٍ ما أسلفت} على قراءة من قرأها بتاءين مثناتين، بمعنى: تتبع كل نفس ما أسلف من خير وشر.
وأما على القول بأن معنى: " تتلو": تقرأ في كتاب عملها ما قدمت من خير وشر، فلا دليل في الآية. ويدل له أيضاً حديث: " لتتبع كل أمة ما كانت تعبد. فيتبع من كان يعبد الشمس: الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت: الطواغيت" الحديث.
الرابع: وبه قال مجاهد وقتادة وعبد الرحمن بن زيد ـ: أن المراد بالقوم الأمة، والمراد بالهادي النبي. فيكون معنى قوله: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد} أي: ولكل أمة نبي، كقوله تعالى: {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ} وقوله: {ولكل أمة رسول}.
وكثيراً ما يُطلق في القرآن اسم القوم على الأمة، كقوله: {ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه}، ونحو ذلك.
وعلى هذا القول، فالمراد بالقوم في قوله: {ولكل قوم هادٍ} أعمُّ من مطلق ما يصدق عليه اسم القوم لغةً. ومما يوضح ذلك: حديث معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه في السنن والمسانيد:"" أنتم توفون سبعين أمة" الحديث.
ومعلوم أن ما يُطلق عليه اسم القوم لغةً، أكثر من سبعين بأضعاف وحاصل هذا الوجه الرابع أن الآية كقوله: {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ} وقوله: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ} وهذا لا إشكال فيه، لحصر الأمم في سبعين،كما بين في الحديث. فآباء القوم الذين لم ينذروا مثلاً، المذكورون في قوله: {لتنذر قوماً ما أنذر آباؤءهم} ليسوا أمة مستقلة، حتى يرد الإشكال في عدم إنذارهم، مع قوله: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} بل هم بعض أمة.
وقوله تعالى: {وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ} لا يشكل عليه قوله تعالى: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً} لأن المعنى: أرسلنا إلى جميع القرى، بل إلى الأسود والأحمر، رسولاً واحداً، هو محمد ? مع أنا لو شئنا أرسلنا إلى كل قرية بانفرادها رسولاً، ولكن لم نفعل ذلك، ليكون الإرسال إلى الناس كلهم فيه الإظهار لفضله ? على غيره من الرسل، بإعطائه ما لم يُعطه أحدٌ قبله من الرسل، عليه وعليهم الصلاة والسلام.
كما ثبت عنه ? في الصحيح: من أن عموم رسالته إلى الأسود والأحمر؛ مما خصَّه الله به دون غيره من الرسل.
وأقرب الأوجه المذكورة عندنا، هو ما يدل عليه القرآن العظيم، وهو الوجه الرابع، وهو أن معنى الآية {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} أي: لكل أمة نبي، فلست يانبي الله بدعاً من الرسل.
ووجه دلالة القرآن على هذا: كثرة إتيان مثله في الآيات، كقوله: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، وقوله: {ولكل أمة رسول} وقوله: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير}.
وعليه، فالحكمة في الإخبار بأن لكل أمة نبياً، أن المشركين عجبوا من إرساله ?، كما بينه تعالى بقوله: {أكان الناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس} وقوله {بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم}، وقوله: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذا جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رسولاً} فأخبرهم أن إنذاره لهم ليس بعجب ولا غريب، لأن لكل أمة منذراً. فالآية كقوله: {قل ما كنت بدعاً من الرسل}، وقوله: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ}. الآية
¥