تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لم يكن المسجد في المغرب خاصا بالعبادة وحسب، بل كان مدرسة للتعليم والتثقيف كذلك، وهكذا كان شأنه في العالم الإسلامي. فمن البدهي أن تضم إحدى زواياه مجموعة من المصاحف وكتب الدين والتفسير والحديث وغيرها تكون رهن إشارة الباحثين وطلاب العلم عموما. وإذا سكتت المصادر عن ذكر هذا النوع من المكتبات فلا يعني أن المساجد كانت خالية منها، فالتنافس العلمي الذي كان قائما بين مسجد الأندلس ومسجد القرويين في فاس منذ القرن الثالث الهجري يدل –قطعا- على وجود مجموعات من الكتب في المسجدين معا يرجع إليها الطلبة للبحث والتحصيل.

ومما لا ريب فيه أن مساجد المغرب كانت مزودة بمجموعات من الكتب من وقف المحسنين أو من إهداء الملوك والوزراء والعلماء والشيوخ أو من اقتناء المسؤولين عليها يقرأ فيها الخاص والعام. ولما انتهت المساجد من وظيفة التعليم بعد استقلال المغرب ضمت محتوياتها إلى الخزائن العامة التي أسستها الدولة. وكان التعليم العالي في المغرب منحصرا في المساجد الكبرى التي اصطلح عليها بالمساجد الجامعة، وقد برز من بينها مسجد القرويين بفاس وابن يوسف بمراكش اللذان تخرجا فيهما أكبر مفكري المغرب ومؤلفيه وعلمائه. وكلاهما كان مزودا بخزانة كتب هامة.

5 - 2 - خزانتي جامع القرويين وجامع ابن يوسف

أسس جامع القرويين في القرن الثالث الهجري، وقصده الطلبة من جميع الآفاق، وتصدر فيه للدرس كثير من العلماء المبرزين في الفقه والحديث والآداب وغيرها. وقد تحدث المؤرخون عن بناء المسجد وعن الطابع الجامعي الذي اكتساه منذ نشأته ولكنهم سكتوا عن خزانة كتبه. وأول خبر يتعلق بهذا المجال تفصح عنه المصادر هو ذلكم الذي أورده الجزنائي في "زهرة الآس" مفاده أن أول بناية أنشئت خصيصا لتكون مكتبة جامع القرويين هي مؤسسة أبي عنان المريني في سنة 750 هـ. ولعل ما يخلد هذا التأسيس هو النقش المصنوع على رخامة فوق الباب جاء فيه:" الحمد لله أمر بإنشاء هذه الخزانة السعيدة مولانا أمير المؤمنين المتوكل على رب العالمين عبد الله فارس أيد الله أمره وأعز نصره بتاريخ شهر شوال سنة خمسين وسبعمائة رزقنا الله خيرها". وفي جنوب المسجد بنى أبو عنان خزانة ثانية سماها: "خزانة المصاحف للفائدة العامة" قال عنها الجزنائي:" وسهل بها على الناس تلاوة القرآن في كل المصاحف. وأباحها لمن أراد التلاوة فيها ... ". وقد زود أبو عنان هذه الخزانة بمجموعة من الكتب انتزعها من خزانته الملكية الخاصة واعتبرها وقفا عليها ابتغاء رضوان الله. وما من سلطان أو وزير أو عالم أو محسن إلا ووقف مجموعة من الكتب على خزانة القرويين التي يعتبرها المغاربة أول جامعة في العالم. وكانت دائما موضع اهتمام الملوك حيث أصدروا الظهائر الشريفة لإصلاحها والعناية بها. ومن أهم محتوياتها نسخة من كتاب "العبر" لابن خلدون يحمل أحد أجزائه وقفية المؤلف على الخزانة، ونسخة نادرة على رق الغزال من كتاب "البيان والتحصيل" لابن رشد الجد، ومصحف كوفي عتيق ونسخة من مختصر أبي مصعب نسخت في عام 970م برسم مكتبة الحكم الأموي.

أما خزانة جامع ابن يوسف الذي ظل منافسا للقرويين عدة قرون فإنها لم تعرف بدورها مقرا خاصا بالكتب إلا في القرن العاشر الهجري حينما أسس السلطان السعدي عبد الله الغالب بناية لحفظ الكتب بإزاء الجامع. وبرغم عدم بلوغها مكانة خزانة القرويين، فإنها كانت أغنى مكتبة بالجنوب المغربي بفضل إمدادات الملوك والأعيان والعلماء ووقف المحسنين. وقد استأثر الجامعان –القرويين وابن يوسف– بالتعليم العالي العتيق منذ بداية القرن العشرين واحتكرت خزانتهما أرصدة الكتب المحفوظة في غيرهما من المساجد. ومع ذلك فإن ما ألم بهاتين المكتبتين العظيمتين من آفات وما انتابهما من نهب قد أودى بالكثير من مدّخراتهما انتقل عدد منها إلى المكاتب الأوروبية أو دخل في حوزة بعض الخاصة.

5 - 3 - خزانات المدارس العتيقة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير