قَالَ صَالِحٌ: وَكَانَ رَسُوْلُ المُتَوَكِّلِ يَأْتِي أَبِي يُبلغُه السَّلاَمَ، وَيَسْأَلُه عَنْ حَالِه.
قَالَ: فَتَأخُذُه قُشَعْرِيرَةٌ حَتَّى نُدَثِّرَهُ، ثُمَّ يَقُوْلُ: وَاللهِ لَوْ أَنَّ نَفْسِي فِي يَدِي، لأَرسَلْتُهَا.
وَجَاءَ رَسُوْلُ المُتَوَكِّلِ إِلَيْهِ يَقُوْلُ: لَوْ سَلِمَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، سَلِمتَ أَنْتَ، رَفعَ رَجُلٌ إِلَيْنَا: أَنَّ عَلَوِيّاً قَدِمَ مِنْ خُرَاسَانَ، وَأَنَّكَ وَجَّهتَ إِلَيْهِ مَنْ يَلقَاهُ، وَقَدْ حَبستَ الرَّجُلَ، وَأَردتَ ضَربَه، فَكرهتُ أَنْ تَغتَمَّ، فَمُرْ فِيْهِ.
قَالَ: هَذَا بَاطِلٌ يُخَلَّى سَبِيلُهُ.
ثُمَّ ذَكَرَ صَالِحٌ قِصَّةً فِي قُدُومِ المُتَوَكِّلِ بَغْدَادَ، وَإِشَارَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عَلَى صَالِحٍ بِأَنْ لاَ يَذْهَبَ إِلَيْهِم، وَمَجِيْءِ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ مِنْ عِنْدِ المُتَوَكِّلِ، وَقَولِهِ: قَدْ أَعفَانِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ كُلِّ مَا أَكرَهُ، وَفِي تَوْجِيْهِ أَمِيْرِ بَغْدَادَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ إِلَى أَحْمَدَ لِيحضُرَ إِلَيْهِ، وَامتنَاعِ أَحْمَدَ، وَقَولِهِ: أَنَا رَجُلٌ لَمْ أُخَالطِ السُّلْطَانَ، وَقَدْ أَعفَانِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مِمَّا أَكرَهُ، وَهَذَا مِمَّا أَكْرَهُ. (11/ 280)
قَالَ: وَكَانَ قَدْ أَدمنَ الصَّوْمَ لَمَّا قَدِمَ مِنْ سَامَرَّاءَ، وَجَعَلَ لاَ يَأْكُلُ الدَّسمَ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يُشترَى لَهُ الشّحمُ بِدِرْهَمٍ، فَيَأكلُ مِنْهُ شَهْراً!!
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَنَّ المَرُّوْذِيَّ حَدَّثهُم، قَالَ:
كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بِالعَسْكَرِ يَقُوْلُ: انْظُرْ، هَلْ تَجدُ مَاءَ بَاقِلَّى؟ فَكُنْتُ رُبَّمَا بَللتُ خُبزَه بِالمَاءِ، فَيَأْكلُهُ بِالملحِ.
وَمُنْذ دَخلْنَا العَسْكَرَ إِلَى أَنْ خَرَجْنَا، مَا ذَاقَ طَبيخاً وَلاَ دَسماً.
وَعَنِ المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: أَنبَهنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ لَيْلَةً، وَكَانَ قَدْ وَاصَلَ، فَقَالَ: هُوَ ذَا يُدَارُ بِي مِنَ الجُوْعِ، فَأَطعِمْنِي شَيْئاً.
فَجِئتُه بِأَقَلَّ مِنْ رَغِيْفٍ، فَأَكلَهُ، وَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ العَوْنَ عَلَى نَفْسِي، مَا أَكلتُ.
وَكَانَ يَقومُ إِلَى المخرجِ، فَيقعدُ يَسْتَريحُ مِنَ الجُوعِ، حَتَّى إِنْ كُنْتُ لأبُلُّ الخِرقَةَ، فَيُلقِيهَا عَلَى وَجْهِهِ، لِترجعَ نَفْسُه إِلَيْهِ، حَتَّى إِنَّه أَوْصَى مِنَ الضَّعْفِ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ - وَنَحْنُ بِالعَسْكَرِ هَذَا -:
مَا أَوْصَى بِهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَوْصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَه لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسُوْلُه. (11/ 281)
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: أَوْصَى أَبِي هَذِهِ:
هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ، أَوْصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِله إِلاَّ اللهَ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَأَوْصَى أَنْ عَلَيَّ لِفُوْرَانَ نَحْواً مِنْ خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، وَهُوَ مُصدَّقٌ فِيْمَا قَالَ، فَيُقضَى مِنْ غَلَّةِ الدَّارِ، فَإذَا اسْتَوفَى، أُعْطِيَ وَلَدُ عَبْدِ اللهِ وَصَالِحٍ، كُلُّ ذَكَرٍ وَأُنثَى عَشْرَةَ دَرَاهِمَ.
شَهِدَ: أَبُو يُوْسُفَ، وَعَبْدُ اللهِ وَصَالِحٌ؛ ابْنَا أَحْمَدَ.
أَنْبَؤُوْنَا عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا عَلِيٍّ المُقْرِئَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
كَتبَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ إِلَى أَبِي يُخبرُه أَنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أَمَرنِي أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكَ أَسْأَلَكَ عَنِ القُرْآنِ، لاَ مَسْأَلَةَ امْتِحَانٍ، لَكِنْ مَسْأَلَةَ مَعْرِفَةٍ وَتَبصِرَةٍ.
¥