فَأَمْلَى عَلَيَّ أَبِي: إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، أَحسنَ اللهُ عَاقبتَكَ أَبَا الحَسَنِ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، وَدَفَعَ عَنْكَ المَكَارِهَ بِرَحْمَتِه، قَدْ كَتبتُ إِلَيْكَ - رَضِيَ اللهُ عَنْكَ - بِالَّذِي سَألَ عَنْهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ بِأَمرِ القُرْآنِ بِمَا حَضَرَنِي، وَإِنِّي أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُدِيْمَ تَوفيقَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَقَدْ كَانَ النَّاسُ فِي خَوضٍ مِنَ البَاطِلِ، وَاخْتِلاَفٍ شَدِيدٍ يَنغمسُوْنَ فِيْهِ، حَتَّى أَفضَتِ الخِلاَفَةُ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَنَفَى اللهُ بِهِ كُلَّ بِدعَةٍ، وَانْجلَى عَنِ النَّاسِ مَا كَانُوا فِيْهِ مِنَ الذُّلِّ وَضِيقِ المَحَابِسِ، فَصَرَفَ اللهُ ذَلِكَ كُلَّه، وَذَهَبَ بِهِ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَوَقَعَ ذَلِكَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ مَوقِعاً عَظِيْماً، وَدَعَوُا اللهَ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَأَسأَلُ اللهَ أَنْ يَسْتَجيبَ فِي أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ صَالِحَ الدُّعَاءِ، وَأَنْ يُتِمَّ ذَلِكَ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَأَنْ يَزِيْدَ فِي نِيَّتِه، وَأَنْ يُعِينَه عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ.
فَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لاَ تَضرِبُوا كِتَابَ اللهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، فَإِنَّهُ يُوقِعُ الشَّكَّ فِي قُلُوْبِكُم. (11/ 282)
وَذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ نَفَراً كَانُوا جُلُوْساً بِبَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ بَعْضُهُم: أَلَمْ يَقُلِ اللهُ كَذَا؟
وَقَالَ بَعْضُهُم: أَلَمْ يَقُلِ اللهُ كَذَا؟
فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ، فَقَالَ: (أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ أَنْ تَضْرِبُوا كِتَابَ اللهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟ إِنَّمَا ضَلَّتِ الأُمَمُ قَبْلَكُم فِي مِثْلِ هَذَا، إِنَّكُم لَسْتُمْ مِمَّا هَا هُنَا فِي شَيْءٍ، انْظُرُوا الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ، فَاعْمَلُوا بِهِ، وَانْظُرُوا الَّذِي نُهِيْتُم عَنْهُ، فَانْتَهُوا عَنْهُ).
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مِرَاءٌ فِي القُرْآنِ كُفْرٌ). (11/ 283)
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي جُهَيْمٍ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ تَمَارَوْا فِي القُرْآنِ، فَإِنَّ مِرَاءً فِيْهِ كُفْرٌ).
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدِمَ رَجُلٌ عَلَى عُمَرَ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَسْأَلُه عَنِ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدْ قَرَأَ القُرْآنَ مِنْهُم كَذَا وَكَذَا.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُلْتُ: وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ يَتَسَارعُوا يَوْمَهُم فِي القُرْآنِ هَذِهِ المُسَارَعَةَ.
فَزَبَرَنِي عُمَرُ، وَقَالَ: مَهْ.
فَانطَلقتُ إِلَى مَنْزِلِي كَئِيباً حَزِيناً، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ، إِذْ أَتَانِي رَجُلٌ، فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.
فَخَرَجتُ، فَإذَا هُوَ بِالبَابِ يَنْتظِرُنِي، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَخَلاَ بِي، وَقَالَ: مَا الَّذِي كَرهتَ؟
قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، مَتَى يَتَسَارعُوا هَذِهِ المُسَارَعَةَ، يَحْتَقُّوا، وَمَتَى مَا يَحْتَقُّوا، يَخْتَصِمُوا، وَمَتَى مَا يَخْتَصِمُوا، يَخْتَلِفُوا، وَمَتَى مَا يَخْتَلِفُوا، يَقْتَتِلُوا.
قَالَ: للهِ أَبُوكَ! وَاللهِ إِنْ كُنْتُ لأَكتُمَهَا النَّاسَ حَتَّى جِئْتَ بِهَا.
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعرِضُ نَفْسَه عَلَى النَّاسِ بِالمَوْقِفِ، فَيَقُوْلُ: (هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشاً قَدْ مَنَعُوْنِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلاَمَ رَبِّي). (11/ 284)
وَرُوِيَ عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّكُم لَنْ تَرْجِعُوا إِلَى اللهِ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ).
يَعْنِي: القُرْآنَ.
¥