تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تحولت مدن المنطقة الثلاث الكبرى أي تومبوكتو وجاو ودجنة إلى مراكز لغليان ثقافي إسلامي ـ سوداني لا تزال ذكراه حية. ففي القرن الخامس عشر كان عدد سكان تومبوكتو 100 ألف بينما تراجع اليوم إلى 30 ألفاً وكان منهم 25 ألفاً من الطلاب الذين يرتادون جامعة سانكوره التي تحولت إلى مسجد. وكان الطلاب يخطون محاضرات العلماء المسلمين على قشور الشجر وعظام أكتاف الجمال وجلود الخروف أو على ورق مستورد من الشرق ومن ثم من ايطاليا. هكذا تكوّن على مر القرون مخزون ثمين فلسفي وقانوني وديني.

إضافة إلى ذلك تحتوي حواشي هذه المخطوطات البدوية معرفة تعليمية يمتزج فيها دون ترتيب مسار الكواكب بأوزان الآلات الموسيقية وأسعار الحرائر بثمن جوز الكولا. أما القوافل المتنقلة بين اغاديز في النيجر وتيشيت في موريتانيا مروراً بسوكوتو في شمال نيجيريا فكانت تحمل العديد من المعلومات الخاصة بالتجار المستنيرين. فطوال ما يقارب الثلاثة قرون أثرت المعرفة التجارة والعكس بالعكس وذلك على ظهور الجمال، بين ألواح الملح وأكياس التبغ.

إن هذه الهبة العلمية غير المسبوقة تدفع إلى إعادة النظر في أسطورة الثقافة الشفهية الإفريقية التي يروّج لها مثقفون من أمثال حامادو هامباته با [6]. لكن أي قيمة علمية لوثائق تحولت قيماً للمضاربة أكثر منها أدوات لفهم الماضي؟ كيف السيطرة على هذا الركام من المعلومات المكتوبة المهددة بالزوال بفعل الزمن؟ أسئلة تواكب أبحاث الجامعيين الاميركيين [7] أو المؤرخين المحليين [8].

هكذا وفي قلب تومبوكتو، في مركز احمد بابا للتوثيق والأبحاث الذي أنشأته الحكومة بمبادرة من الاونيسكو عام 1970، يدور فصل رئيسي من فصول استعادة التاريخ الإفريقي. من خلال اختياره لاسم احمد بابا، العلامة المولود عام 1556 ومدرس الفتاوى، تكرّم السلطات مقاوما للاجتياح المغربي [9] وعالما ذا نفوذ كبير على مواطنيه لا تزال تعاليمه القويمة منغرسة في النفوس.

مهمة المركز تصنيف المخطوطات التي يتم العثور عليها وحمايتها وترميمها، فالورق مادة هشة يخشى عليه من الرطوبة والنار، فهو ينكسر ويجف ويتمزق لينتهي رمادا. العث يعشقه. يوضح الشيخ عمر سيسوكو، وزير الثقافة: "إذا كنا غير قادرين على استرجاع كامل هذه المخطوطات فإننا نشجع على قيام مؤسسات خاصة تسمح باستعادة سريعة للمحفوظات العائلية وهذا أفضل سبيل لتحميل المواطنين المسؤولية وحماية هذا الكنز في الوقت نفسه".

ذلك أن القسم الأكبر من هذه المخطوطات السرية ملك لأفراد، ويكفي للتعرف على محتواها التقرب من العائلات التي ترحب بك أجمل ترحيب. كالسيد إسماعيل دياده حيدارا الجالس أمام الحاسوب يكتب مؤلفات في الفلسفة والتاريخ منها "اليهود في تومبوكتو" [10]. فاليهود لعبوا دورا مهما في نقل ذهب السودان إلى اسبانيا المسيحية. ومن خلالهم تعرف احد آباء علم الخرائط (ابراهام كريسك، 1325 - 1387، وهو يهودي من الباليار هاجرت عائلته إلى شمال إفريقيا مطلع القرن الثاني عشر)، إلى تومبوكتو التي ارتبطت بإفريقيا الشمالية من خلال طرق كانت مرافئها مسكونة باليهود. ليون الإفريقي يشير منذ النصف الأول من القرن الخامس عشر إلى وجود يهود في مملكة جاو ... [11].

يشرح السيد حيدارا، وهو من سلالة "كاتي" [12]، بكل دقة تاريخ مؤسسته القائمة في جوار مسجد جينجيريبر في دار قديمة أعيد ترميمها في تومبوكتو: "بدأ جمع هذه المحفوظات مع الهجرة القسرية لأحد أجدادي من أصل فيزيغوت اعتنق الإسلام واسمه علي بن زياد القوتي، من طليطلة عام 1468 ليقيم في غامبو في بلاد سوننكه. من ذلك التاريخ بدأت تتراكم المخطوطات جيلا بعد جيل من "الكاتي" اسلافي. قررنا إخراجها إلى النور عام 1999".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير