تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم تلك الوصية وفقهوا معناها الثمين حتى إن أبا الدرداء رضى الله عنه قيل له " إن رجلاً أعتق مائة نسمة. قال: إن مائة نسمة من مال رجل كثير، وأفضل من ذلك إيمان ملزوم بالليل والنهار وأن لا يزال لسان أحدكم رطباً من ذكر الله عز وجل" أحمد فى الزهد.

وكان رضى الله عنه يقول: " الذين لا تزال ألسنتهم رطبه من ذكر الله يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك".

4 - وكذلك دوام الذكر يوجب لك الأمان من الخذلان في هذا العمل وغيره وتدخله بالله تعالى لا بنفسك

يقول ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: (أن دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده، فإن نسيان الرب ـ سبحانه وتعالى ـ يوجب نسيان نفسه ومصالحها، قال تعالى: ? وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ? وإذا نسي العبد نفسه أعرض عن مصالحها ونسيها واشتغل عنها فهلكت وفسدت ولابد، كمن له زرع أو بستان أو ماشية أو غير ذلك مما صلاحه وفلاحه بتعاهده والقيام عليه، فأهمله ونسيه واشتغل عنه بغيره وضيع مصالحه فإنه يفسده ولابد، هذا مع إمكان قيام غيره مقامه فيه، فكيف الظن بفساد نفسه وهلاكها وشقائها إذا أهملها ونسيها واشتغل عن مصالحها وعطل مراعاتها وترك القيام عليها بما يصلحها؟ فما شئت من فساد وهلاك وخيبة وحرمان. وهذا هو الذي صار أمره كله فرطا فانفرط عليه أمره وضاعت مصالحه، وأحاطت به أسباب القطوع والخيبة والهلاك. ولا سبيل إلى الأمان من ذلك إلا بدوام ذكر الله تعالى واللهج به، وأن لا يزال اللسان رطباً به، وأن يتولى منزلة حياته التي لا غني له عنها ومنزلة غذائه الذي إذا فقده فسد جسمه وهلك، وبمنزلة الماء عند شدة العطش، وبمنزلة اللباس في الحر والبرد وبمنزلة الكن في شدة الشتاء والسموم).

فحقيق بالعبد أن ينزل ذكر الله منه بهذه المنزلة وأعظم، فأين هلاك الروح والقلب وفسادهما من هلاك البدن وفساده؟ هذا هلاك لابد منه وقد يعقبه صلاح لابد، وأما هلاك القلب والروح فهلاك لا يرجى معه صلاح ولا فلاح، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولو لم يكن في فوائد الذكر وإدامته إلا هذه الفائدة وحدها لكفي بها. فمن نسي الله تعالى أنساه نفسه في الدنيا ونسيه في العذاب يوم القيامة

5 - وكذلك ذكر الله تعالى أمان من النفاق في هذا العمل وفي غيره وأمان من النفاق عموماً:

يقول ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: (أن كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق، فإن المنافقين قليلوا الذكر لله عز وجل. قال الله عز وجل في المنافقين: ? وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً??، وقال كعب: من أكثر ذكر الله عز وجل برئ من النفاق. ولهذا – والله أعلم – ختم الله تعالى سورة المنافقين بقوله تعالى ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ? فإن في ذلك تحذيراً من فتنة المنافقين الذين غفلوا عن ذكر الله عز وجل فوقعوا في النفاق، وسئل بعض الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ عن الخوارج: منافقون هم؟ قال: لا، المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا، فهذا من علامة النفاق قلة ذكر الله عز وجل، وكثرة ذكره أمان من النفاق، والله عز وجل أكرم من أن يبتلي قلباً ذاكراً بالنفاق وإنما ذلك لقلوب غفلت عن ذكر الله عز وجل).

وقد سئل شيخنا (غفر الله لنا وله): هل يستطيع أحد أن يذكر الله تعالى وهو يذاكر العلم الشرعي فقال: بل أن هناك من إذا قلت له لا تذكر لا يستطيع أو لا يقدر.

وقد رأيت شيخنا الآخر ـ رحمه الله رحمة واسعة وجعله في عليين ـ يلهج بالذكر سرمديا وهو يستمع إلى الدرس أو غيره، ولو نظرت إليه لذهب ما في قلبك من الذنوب والحجب وامتلأ إيمانا يفيض علي لسانك بسرمدية الذكر رحمه الله رحمة واسعة وأزال عنا الحجب فنشاهد ونصاحب مثله. (آمين).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير