تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال تعالى: ? وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ُ?.

وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه}. [البخاري ومسلم]

ففي هذا الحديث تحقيق لاشتراط النية في أصل صحة الأعمال ـ وأن حظ العامل من عمله نيته.

فالعمل بغير نية عناء والنية بغير إخلاص رياء وشقاء ونفاق والإخلاص بغير صدق وتحقيق هباء.

وليس للشرع عناية في طاعة من الطاعات بعد الإيمان بالله تعالى أعظم من اعتنائه بالنية إذ صحة العبادات أجمعها موقوفة علي وجودهما ـ يعني الإيمان والنية ـ فهي تلي الإيمان في الرتبة والشرط في صحة الأعمال.

وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى}، هذا يختص بالطاعات و المباحات دون المعاصي وفي الطاعات كما هي مرتبطة في أصل صحتها وفي تضاعف فضلها، أما الأصل فهو أن ينوي عبادة الله تعالى فإن نوي الرياء صارت معصية وأما تضاعف الفضل فبكثرة النيات الحسنة فإن الطاعة الواحدة يمكن أن ينوي بها خيرات كثيرة فيكون له بكل نية ثواب إذ كل واحدة منها حسنة ثم تضاعف كل حسنة عشر أمثالها كما ورد في الخبر. [الإحياء]

كتب سالم بن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهم ـ إلى عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله تعالى ـ: (اعلم أن عون الله تعالى للعبد علي قدر النية، فمن تمت نيته تم عون الله له، وإن نقصت نقص بقدره).

وقال يحيى بن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ: تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل.

وقال سفيان الثوري ـ رحمه الله تعالى ـ: كانوا يتعلمون النية للعمل كما يتعلمون العمل.

وقال مطرف بن عبد الله ـ رحمه الله تعالى ـ: صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصحة النية.

وقال الفضيل بن عياض ـ رحمه الله تعالى ـ: إنما يريد الله عز وجل منك نيتك وإرادتك.

وقال أبو طالب المكي ـ رحمه الله تعالى ـ: (وقد أغفل الناس علم النية وتركوا السؤال عنها كإغفالهم السؤال عن سيرة المتقدمين كيف كانت في كل شئ، وكتركهم التفقد لها. وكحاجتهم إلى علم التوبة وأحكامها).

والنية هي فرض الفرض وأصول الأصول وقد كان العلماء إذا سئلوا عن علم شئ أو سعوا في أمر قال إن رزقنا الله نية فعلنا ذلك. أ. هـ[علم القلوب /185]

وقال الإمام العالم العامل أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي الشهير بابن الحاج ـ رحمه الله تعالى ـ: (كنت كثيرًا ما أسمع سيدي الشيخ العمدة العالم العامل المحقق القدوة أبا محمد عبد الله بن أبي جمرة يقول وددت أنه لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم ويقعد إلى التدريس في أعمال النيات ليس إلا أو كلامًا هذا معناه. فإنه ما أتي علي كثير من الناس إلا من تضييع النيات). [المدخل/3]

واعلم أخي الحبيب قلنا نيات ولم نقل نية لأنه كما أن الأعمال مرتبطة بالنيات في أصل صحتها فهي كذلك مرتبطة في تضاعف فضلها بكثرة النيات الصالحات.

فإن الطاعة الواحدة يمكن أن تنوي بها خيرات كثيرة فيكون لك بكل نية ثواب فإنه لكل امرئ ما نوي وفضل الله تعالى أوسع وأكثر وأكبر مما تتصور وقد قال صلي الله عليه وآله وسلم: {من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالاً فله ما نوي}. [أحمد والنسائي]

وقال بعض العارفين ـ رحمهم الله تعالى ـ: إنما فضلوا بالإرادات ولم يتفضلوا بالصوم والصلاة.

لذلك ارتفع قدر علماء الآخرة وفضلت أعمالهم بحسن معرفتهم بنيات العمل واعتقادهم بها فقد يكون في العمل الواحد عشر نيات يعلم ذلك العلماء فيعملون بها فيعطون عشر أجور وأفضل الناس في العمل أكثرهم نية وأحسنهم قصد وأدبا.

بل وما من شئ من المباحات إلا ويحتمل نيات.

قال الإمام الغزالي ـ رحمه الله تعالى ـ: (وما من شئ من المباحات إلا ويحتمل نية أو نيات، يصير بها من محاسن القربات وينال بها معالي الدرجات، فما أعظم خسران من يغفل عنها ويتعاطاها تعاطي البهائم المهملة عن سهو وغفلة).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير