* الخلاء: الإحساس بخطورة عدم التخلية والبدء فعلاً في التخلية (دفع الخواطر واستبدالها بل الاشتغال بالخواطر الإيمانية) لذا تقول بعد الخروج " غفرانك "
واعلم أنه كما أن هذه الفضلات (بول، غائط) لو ظلت في داخلك لسببت لك ألما شديد جداً قد يصل إلى الوفاة إن لم تخرج كذلك لابد أن تعلم أن عدم خروج القاذورات والنجاسات التي في القلب لسببت له ألماً شديداً وقد يصل إلى الوفاة وأي وفاة بعد وفاة القلب وموته وشتان بين وفاة القلب ووفاة البدن.
ومن كان له قلب به حياة أحس بذلك وإلا سوف يظهر ذلك عند تلعثم اللسان وزيغان البصر وانكشاف الحجب وخروج الروح، نسأل الله تعالى العافية وحسن الخاتمة (آمين).
قل (غفرانك) باللسان تائباً بالجنان واذهب وتحقق بهذه التوبة في الوضوء.
.يقول الإمام ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: كان صلي الله عليه وآله وسلم إذا خرج من الخلاء قال: (غفرانك) وفي هذا من السر ـ والله أعلم ـ أن النجو يثقل البدن ويؤذيه باحتباسه، والذنوب تثقل القلب وتؤذيه باحتباسها فيه، فهما مؤذيان مضران بالبدن والقلب، فحمد الله عند خروجه على خلاصه من هذا المؤذي لبدنه، وخفة البدن وراحته، وسأل أن يخلصه من المؤذي الآخر ويريح قلبه منه ويخففه.
وأسرار كلماته وأدعيته ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ فوق ما يخطر بالبال ... [إغاثة اللهفان /74]
قلت: وكأن شكر الله تعالى وحمده علي إراحة البدن مما يثقله ويؤذيه ويفتك به استفراغ الآخر الفتاك ألا وهو الذنوب وهذا الاستفراغ يؤدي إلى زكاة القلب.
نكتة: واعلم أن قولك (غفرانك) ليس لعدم ذكرك الله تعالى بالداخل باللسان لأنك مأمورا بعدم الذكر بالداخل فكيف تستغفر من ترك مما أنت مأمور بتركه.
* بعد الخروج: غسل اليدين بالصابون بالنيات الصالحات:
وتذكر أنك بعد إزالة النجاسة الظاهرة لابد من التطهير لإزالة آثارها، فكذلك لابد بعد إزالة النجاسة الباطنة (التخلية من المهلكات) لابد من تطهير مكانها (التحلية بالمنجيات).
ويظهر أثر التحقق بالمعاني فى الخلاء فى الوضوء
تذكر قبل الوضوء إن لم تتطهر لا تدخل علي الله تعالى.
يقول الإمام ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: (فالله تعالى بحكمته جعل الدخول عليه موقوفاً علي الطيب والطهارة،فلا يدخلها إلا طيب طاهر فهما طهارتان، طهارة البدن وطهارة القلب ولهذا شرع للمتوضئ أن يقول عقيب وضوئه {أشهد أن لا إله الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين} فطهارة القلب بالتوبة، وطهارة البدن بالماء.
فلما اجتمع له الطهران صلح للدخول على الله تعالى، والوقوف بين يديه ومناجاته.
وسألت شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ عن معنى دعاء النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ {اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد}.
كيف يطهر الخطايا بذلك؟ وما فائدة التخصيص بذلك؟، وقوله في لفظ آخر {والماء البارد} والحار أبلغ في الإنقاء؟
فقال – رحمه الله تعالى ـ: الخطايا توجب للقلب حرارة ونجاسة وضعف، فيرتخي القلب وتضطرم فيه نار الشهوة وتنجسه، فإن الخطايا والذنوب له بمنزلة الحطب الذي يمد النار ويوقدها ولهذا كلما كثرت الخطايا اشتدت نار القلب وضعفه، والماء يغسل الخبث ويطفئ النار، فإن كان بارداً أورث الجسم صلابة وقوة، فإن كان معه ثلج وبرد كان أقوي في التبريد وصلابة الجسم وشدته، فكان أذهب لأثر الخطايا؟ هذا معني كلامه، وهو محتاج إلى مزيد بيان وشرح.
فاعلم أن هاهنا أربعة أمور: أمران حسيان، وأمران معنويان فالنجاسة التي تزول بالماء هي ومزيلها حسيان، وأثر الخطايا التي تزول بالتوبة والاستغفار هي ومزيلها معنويان، وصلاح القلب وحياته ونعيمه لا يتم إلا بهذا وهذا، فذكر النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من كل شطر قسما نبه به علي القسم الآخر. فتضمن كلامه الأقسام الأربعة في غاية الاختصار، وحسن البيان. كما في حديث الدعاء بعد الوضوء {اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين} فإنه يتضمن ذكر الأقسام الأربعة.
ومن كمال بيانه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وتحقيقه لما يخبر به، ويأمر به، تمثيله الأمر المطلوب المعنوي بالأمر المحسوس. وهذا كثير في كلامه صلي الله عليه وآله وسلم. [إغاثة اللهفان71/ 72]
¥