تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أن البخيل يمنع نفسه والحسود يكره نعمة الله على عباده وقد يكون في الرجل إعطاء لمن يعينه على أغراضه وحسد لنظرائه وقد يكون فيه بخل بلا حسد لغيره والشح أصل ذلك. وقال تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالظلم فظلموا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا} وكان عبد الرحمن بن عوف يكثر من الدعاء في طوافه يقول: اللهم قني شح نفسي فقال له رجل: ما أكثر ما تدعو بهذا فقال: إذا وقيت شح نفسي وقيت الشح والظلم والقطيعة. والحسد يوجب الظلم.

فصل فالبخل والحسد مرض يوجب بغض النفس لما ينفعها بل وحبها لما يضرها ولهذا يقرن الحسد بالحقد والغضب وأما مرض الشهوة والعشق فهو حب النفس لما يضرها وقد يقترن به بغضها لما ينفعها والعشق مرض نفساني وإذا قوي أثر في البدن فصار مرضا في الجسم إما من أمراض الدماغ كالماليخوليا؛ ولهذا قيل فيه هو مرض وسواسي شبيه بالماليخوليا وإما من أمراض البدن كالضعف والنحول ونحو ذلك. والمقصود هنا " مرض القلب " فإنه أصل محبة النفس لما يضرها كالمريض البدن الذي يشتهي ما يضره وإذا لم يطعم ذلك تألم وإن أطعم ذلك قوي به المرض وزاد. كذلك العاشق يضره اتصاله بالمعشوق مشاهدة وملامسة وسماعا بل ويضره التفكر فيه والتخيل له وهو يشتهي ذلك فإن منع من مشتهاه تألم وتعذب وإن أعطي مشتهاه قوي مرضه وكان سببا لزيادة الألم. وفي الحديث: {أن الله يحمي عبده المؤمن الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه الطعام والشراب} وفي مناجاة موسى المأثورة عن وهب التي رواها الإمام أحمد في (كتاب الزهد " {يقول الله تعالى: إني لأذود أوليائي عن نعيم الدنيا ورخائها كما يذود الراعي الشفيق إبله عن مراتع الهلكة. وإني لأجنبهم سكونها وعيشها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مبارك الغرة وما ذلك لهوانهم علي ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا لم تكلمه الدنيا ولم يطفئه الهوى}. وإنما شفاء المريض بزوال مرضه بل بزوال ذلك الحب المذموم من قلبه. والناس في العشق على قولين: قيل إنه من باب الإرادات وهذا هو المشهور. وقيل: من باب التصورات وأنه فساد في التخييل حيث يتصور المعشوق على ما هو به قال هؤلاء: ولهذا لا يوصف الله بالعشق ولا أنه يعشق؛ لأنه منزه عن ذلك ولا يحمد من يتخيل فيه خيالا فاسدا. وأما الأولون فمنهم من قال: يوصف بالعشق فإنه المحبة التامة؛ والله يحب ويحب وروي في أثر عن عبد الواحد بن زيد أنه قال: {لا يزال عبدي يتقرب إلي يعشقني وأعشقه} وهذا قول بعض الصوفية. والجمهور لا يطلقون هذا اللفظ في حق الله؛ لأن العشق هو المحبة المفرطة الزائدة على الحد الذي ينبغي والله تعالى محبته لا نهاية لها فليست تنتهي إلى حد لا تنبغي مجاوزته. قال هؤلاء: والعشق مذموم مطلقا لا يمدح لا في محبة الخالق ولا المخلوق لأنه المحبة المفرطة الزائدة على الحد المحمود و (أيضا فإن لفظ " العشق " إنما يستعمل في العرف في محبة الإنسان لامرأة أو صبي لا يستعمل في محبة كمحبة الأهل والمال والوطن والجاه ومحبة الأنبياء والصالحين وهو مقرون كثيرا بالفعل المحرم: إما بمحبة امرأة أجنبية أو صبي يقترن به النظر المحرم واللمس المحرم وغير ذلك من الأفعال المحرمة. وأما محبة الرجل لامرأته أو سريته [محبة] تخرجه عن العدل بحيث يفعل لأجلها ما لا يحل ويترك ما يجب كما هو الواقع كثيرا حتى يظلم ابنه من امرأته العتيقة؛ لمحبته الجديدة وحتى يفعل من مطالبها المذمومة ما يضره في دينه ودنياه مثل أن يخصها بميراث لا تستحقه أو يعطي أهلها من الولاية والمال ما يتعدى به حدود الله أو يسرف في الإنفاق عليها أو يملكها من أمور محرمة تضره في دينه ودنياه وهذا في عشق من يباح له وطؤها. فكيف عشق الأجنبية والذكران من العالمين؟ ففيه من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد وهو من الأمراض التي تفسد دين صاحبها وعرضه ثم قد تفسد عقله ثم جسمه. قال تعالى: {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}. ومن في قلبه مرض الشهوة وإرادة الصورة متى خضع المطلوب طمع المريض والطمع الذي يقوي الإرادة والطلب ويقوي المرض بذلك بخلاف ما إذا كان آيسا من المطلوب فإن اليأس يزيل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير