تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم]

ـ[أبو مهند النجدي]ــــــــ[13 - 09 - 05, 10:49 ص]ـ

[الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم]

د. حكمت الحريري

ذكرت في بعض المباحث السابقة موضوع الربط والتناسب بين الآيات والسور، وتبين لنا بالأدلة الوافية الانسجام التام والتناسق الكامل بين الآيات والسور فإنها وإن اشتملت على نجوم متعددة وأغراض مختلفة ومعان متنوعة، لكنها ترمي إلى هدف واحد، وتندرج تحت مقصد واحد لا تنفك عنه.

وهذا وجه من وجوه إعجاز القرآن الكريم، ذلك بأن آيات القرآن نزلت في أوقات متباعدة، والطريقة التي اتبعت في ترتيب آياته حيث كان يقول - عليه الصلاة والسلام -: "ضعوا آية كذا في موضع كذا".

ولو كان هذا الأمر من تأليف البشر لما خلا من تناقض واضطراب وعيب ومؤاخذة، لكنه ((تنزيل من حكيم حميد)).

تقرأ السورة الطويلة المنجمة في نزولها، فلا تحس بشيء من تناكر الأوضاع، بل ترى بين الأجناس المختلفة تمام الألفة، فلم يكن الانتقال بين الأغراض المختلفة في السورة الواحدة أمراً اعتباطياً بلا هدف فهذا لا يليق بكلام العقلاء من البشر فكيف بكلام أحكم الحاكمين- إنما هناك صلات وثيقة بين هذه المعاني والأغراض بحيث تتظافر جميعاً لتصل إلى الغاية القصوى والهدف العام الذي تدور حوله السورة، وهو ما يطلق عليه بعض العلماء الوحدة الموضوعية أو عمود السورة ونظامها.

وللوقوف على هذه الحقيقة ومعرفتها، لابد من تدبر القرآن، فإنها لا تظهر إلا بالتدبر والتأمل الصادق وقد وبخ - سبحانه - من يقرأ القرآن ولا يتدبره فقال: ((أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)) فالقرآن لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الردّ.

قال - تعالى -: ((ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم)) [لقمان: 27].

كيف نستدل على الوحدة الموضوعية في سور القرآن؟

يستدل على الوحدة الموضوعية في السورة من خلال الأمور التالية:

1 - عرض السورة عرضاً واحداً، نرسم به خط سيرها إلى غايتها، ونبرز به وحدة نظامها المعنوي في جملتها لكي ترى في ضوء هذا البيان كيف وقعت كل حلقة في الموقع المناسب لها. والسياسة الرشيدة في دراسة النسق القرآني تقضي بأن يكون هذا النحو من الدرس هو الخطوة الأولى فيه، فلا يتقدم الناظر إلى البحث في الصلات الموضعية بين جزء جزء منه إلا بعد أن يحكم النظر في السورة كلها بإحصاء أجزائها وضبط مقاصدها على وجه يكون له عوناً على السير في تلك التفاصيل [1].

(إن السورة مهما تعددت قضاياها فهي كلام واحد يتعلق آخره بأوله، وأوله بآخره، ويترامى بجملته إلى غرض واحد، كما تتعلق الجمل بعضها ببعض في القضية الواحدة، وإنه لا غنى لمتفهم نظم السورة عن استيفاء النظر في جميعها، كما لا غنى عن ذلك في أجزاء القضية) [2].

2 - اسم كل سورة مترجم عن مقصودها.

هنالك ارتباط وثيق بين المعاني والأغراض المختلفة التي تتعرض لها آيات السورة وبين اسم السورة الذي يحتوي على الهدف العام منها.

الأمر الكلي المهيمن على حكم الربط بين جميع أجزاء القرآن هو أنك تنظر الغرض الذي سيقت له السورة، وتنظر ما يحتاج إليه ذلك الغرض من المقدمات، وتنظر إلى مراتب تلك المقدمات في القرب والبعد من المطلوب، وتنظر عند انجرار الكلام في المقدمات إلى ما يستتبعه من استشراف نفس السامع إلى الأحكام واللوازم التابعة له [3].

قال برهان الدين البقاعي بعد أن ذكر كلام شيخه محمد البجائي: وقد ظهر لي باستعمالي لهذه القاعدة بعد وصولي إلى سورة سبأ في السنة العاشرة من ابتدائي في عمل هذا الكتاب أن اسم كل سورة مترجم عن مقصودها لأن اسم كل شيء تظهر المناسبة بينه وبين مسماة عنوانه الدالّ إجمالاً على تفصيل ما فيه؛ وذلك هو الذي أنبأ به آدم - عليه الصلاة والسلام - عند العرض على الملائكة عليهم الصلاة والسلام ومقصود كل سورة هادٍ إلى تناسبها، فأذكر المقصود من كل سورة وأطبق بينه وبين اسمها [4].

3 - العود على البدء: ترى في كثير من سور القرآن أن الكلام ينتقل من معنى إلى آخر ومنه إلى معنى آخر ثم يعود على ما بدأ منه ولم يكن هذا الانتقال والانجرار من معنى إلى آخر إلا لوجود رابطة مهمة تربط بين الآيات والمقاصد يقتضيها السياق.

قال الشيخ عبد الحميد الفراهي:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير