الليالي الماضية , فلما مرََّ أما منزل الفتاة وإذ بها واقفة عند الباب وقد تزينت بزينة أعظم مما
كانت عليه في الليلة الماضية , فلما التفت ببطء شديد وجدها تحدق به , وتراه بشكل يُظهر
مدى الشغل الذي تحمله في قلبها , ففهم الشاب مقصدها , فحوًّل صارت تلك الخطى أشبه ما
تكون جرياً إن لم تكن عدوا ثم قال:
إذا نظرت نحوي تكلم طرفها وجاوبها طرفي ونحن سكوتُ
فواحدة منها تبشر باللقا وأخرى لها نفسي تكاد تموتُ
- بعد أن فرغ الشاب من صلاته , جلس مع نفسه ليضع حلا لهذه العقبة التي تواجهه في
طريقه لأداء كل صلاة , وبعد التفكير ملياً , لاحت له فكرة لعلها تخفف هذه المأساة , يوجد
مسجد آخر ينوي الذهاب إليه , وبرغم من بعده إلى انه حل عاجل , يعصم نفسه من هذه الفتنة
التي ظهرت له.
- أصبح الشاب يصلي في ذلك المسجد لمدة أسبوع كامل , أما الفتاة فتخرج كل يوم عند سماع
المؤذن يصدح بالأذان لصلاة العشاء , ومع انقضاء صلاة العشاء في اليوم السابع , دمعت
عينها ,ووجل قلبها فما الذي منعه يا ترى , هل ساءه شيء أو لحق به أذى؟ أم أنه لم يعجبه
حالي ومنظري مع أن الجمال يداعب أركاني؟ فما هو السبب إذاً!!!
- فاستقصت الفتاة مكان سكن الشاب وذلك من خلال سائقٍ لها , فلما طال عليها الهجر وازداد
ولعها به , أرادت أن تكشف الأمر له , وأن تجعله أمام الأمر الواقع , لتعرف ردت فعله إزاء
ما رآه في تلك الليالي العجاف , فأحضرت ورقة وكتبت فيها:
لعمرك ما حُب الديار بنافعِ إذا لم يصل حبلُ الحبيبِ حبيبُ
وليس غريباً من تناءت ديارهُ ولكن من يجفى فذاك غريبُ
- فلما قَرُب موعد أذان العشاء , أمرت سائقها أن يضع هذه الورقة على عتبة بابه لكي
يراها عند خروجه إلى المسجد , و أنجز السائق المهمة المطلوبة على أكمل وجه!
- فلما خرج ووجهه يتقاطر ماءً من أثر الوضوء , وجد ورقة كاد يدهسها بقدمه , فأخذها
ووضعها بجيبه لكي لا تشغله عن الصلاة , فذهب مسرعاً للمسجد , ولما انتهت الصلاة
وانتشر المصلين في الأرض , عائد إلى منزله , ساقه الفضول لمعرفة ما بداخل تلك
الورقة , ففتحها على عجل فإذ به يقرأ البيتين اللذين كتبتهما الفتاة له , فاحمر وجهه واصبح
العرق يقطر منه قطراً , مستغرباً مدى هذه الجرأة و الإقدام عند الفتاة , فذهب إلى البيت ليهدأ
روعه ويلتق أنفاسه , بعدها قرر أن يرسل رداً على تلك الرسالة التي وصلته فكتب فيها:
سأكتم ما ألقاه , يا بنت , ناظري من الوجد كيلا يذهب الأجرُ باطلا
فقد جاءنا عن سيد الخلق أحمدٍ ومن كان براً بالعباد وواصلا
بأن من يمت في الحب يكتم وجده يموت شهيدا في الفراديس نازلا
رواه سويد عن علي بن مسهرٍ فما فيه من شك لمن كان عاقلا
- سار مختلسا نحو بيتها قبل أذان العشاء , لعلمه بخروجها مجرد سماعها للأذان , وضع
الورقة وعاد مسرعاً خشيت أن يره أحد.
- (الله أكبر ... الله أكبر) وإذ بالفتاة تخرج لعلها ترى ما يسر ناظريها ويشفي عليل فؤادها ,
وقعت عينها على تلك الورقة الموضوعة أما بابها , فتحتها بسرعة كادت أن تمزقها لتقرأ
ما بها وتَهُذ الحروف الموجودة فيها هذَّا.
عرفت أن سبب عدم مجيئه أما بيتها هو اتقائه للفتنة وخوفه من إتيان الحرام مع امرأة
لا تحل له , فأرادت أن تبرر موقفها وتحسن من صورتها أمامه فكتبت له:
أجد من أهواه في الحب عابث وأوفي له بالعهد , إذ هو ناكث
حبيبٌ نأى عني مع القرب والأسى مقيم له , في مضمر القلب ماكث
وما كنت إذ ملّكتك القلب عالما بأني عن حتفي , بكفي باحث
فديتك , إن الشوق لي مذ هجرتني مميتٌ فهل لي من وصالك باعث
ستبلى الليالي , والوداد بحاله جديدٌ وتفنى , وهو للأرض وارث
إنتهى الجزء الأول من هذه القصة , أتمنى أن تكون قد نالت ولو على النزر اليسير من
استحسانكم.
كتبه: ياسر بن صالح البهيجان
y.albhijan*************
المدونة: http://albhijan.maktoobblog.com
ـ[محمد الجهالين]ــــــــ[23 - 05 - 2008, 09:01 ص]ـ
أخي ياسر البهيجان
لستُ مسرورا بأن تكثف زمن القصة في هذا التصادف العفوي ثم القصدي لحبائل الفتنة، يحتمل أن تتصيد الفتنة مصليا في طريقه إلى بيت الله، بيد أن حبك قصة إبداعية حول هذا الاحتمال قد يجعل قصة المبدع صيدا ثمينا لأعداء هذا الدين، فيتندرون بأجمل لحظاتنا الإيمانية في الطريق إلى بيوت الله، وإن انتصر المصلي على الفتنة في الجزء الثاني من القصة.
التعابير الجميلة
وإذ بأمها تنثر عليها الطلبات والأوامر
مع أن الجمال يداعب أركاني
أخطاء الطباعة والنحو واللغة
شآب عشريني: شاب
جمع بين عدت خصال: عدة
وكآن ذلك الوقع: وكان
والقلب يكرر سؤالا وهرياً: وهريا؟
فهو يسير ماش يا: ماشيا
وقفت عند عتبت الباب: عتبة
إلى أن أنصرف بصره: انصرف
الطقس ان حاراً: كان
دقت الساعة 2 ليلاً: الثانية
الشاب لا يزال مستلقي: مستلقيا
استغفر الله: أستغفر
فإن فالأمر شك: في الأمر
أن رآني للمرة الثالثة: إن
أذن المؤذن في اليوم الثلاث: الثالث
جدها تحدق به: تحدق إليه
فحوًّل صارت تلك الخطى: فحوًّل؟
إلى انه حل عاجل: أنه
وانتشر المصلين: المصلون.
عائد إلى منزله: عاد
ويلتق أنفاس: ويلتقط
وعاد مسرعاً خشيت أن يره أحد: خشية أن يراه.
الورقة الموضوعة أما بابها: أمام بابها.
وتَهُذ الحروف الموجودة فيها هذَّا:؟
عدم مجيئه أما بيتها: أمام
هو اتقائه للفتنة: اتقاؤه.
ملاحظات شعرية:
أغض طرفي إن بدت لي جارتي: عنترة يوصيك أن لا تنسى الواو قبل أغض كي لا تضطرب تفعيلة الكامل
إذا لم يصل حبلُ الحبيبِ حبيبُ: حبل الحبيب أرادها أبو بكر الظاهري مفعولا به لحبيب.
لم يقل ابن زيدون: أجد من أهواه في الحب عابث، بل قال: أجدُّ ومن أهواه ..
إن استضافة القصة لأبيات الشعر ليس من سمات القصة الحديثة وإن كان من سمات جذورها في ألف ليلة وليلة.
¥