صدر البيت كان رائقا في معناه، رحبا في خياله، حتى جاءت كلمة (صدى) في العجز فجّةً مقحمة هبطت بالصورة من فضائها، و لا أدري ما علاقة الصدى بالخجل الفطري، إلا أن يكون صدى الخطوات، فعندها نقول إن الخطوات الخجلى لا يُسمع لها حس و هذا أحرى بها لخجلها، و لا يكون الصدى إلا لخطوات قوية جريئة يعلو صوتها و يصك المسامع صداها.
التكرار:
تكررت في المطلع كلمة شرياني في العروض و الضرب، إلا أنه تكرار محمود أعجبني و استلطفته!
تكررتْ العيون كثيرا في النص، و ركّبتَ صورا شعرية جميلة على العينين، و لكنها فقدت تدريجيا بريقها لكثرة ما تحيلها إلى العينين:
أُقلِّدُ عينيها جنوني .. وتيجاني
فلو بيننا حلَّ اللقاءُ تمائمَ العيون ...
وليس لمرآةِ التصوُّرِ .. عينان
وهيَّأتُ أكواني لعينيكِ كرمةً
ضَبَطْتُ على توقيتِ عينيكِ .. أوطاني
و مثلها تكرر العطر أيضا على نحو بدأ يشي بمحدودية معطيات الصورة لديك:
سبحتُ قليلاً فوق موجةِ عِطرِها
أنا قد أطيقُ العطرَ فرداً وإنَّما
رششتُ عليكِ العطرَ من كُلِّ زهرةٍ
فضلَّلتُ بالعِطرِ الصناعيِّ وجداني
ولو اكتفيت بذكر العطر في المثالين الأولين لكفاك هذا، لأنهما مترابطان و المثال الثاني يفسر الأول، و لكن التكرار جاء بعدهما في شطرين على نحو يكاد يصيب القارئ بالملل.
الحشو و النثرية:
الشعر -كما لا يخفى عليك- يميز عن النثر في أنه يختزل المعاني و التراكيب الطويلة في مفردات قليلة، لذلك تكفي في الشعر اللمحة و الإشارة و تغني عن الإسهاب النثري:
أأغْفِرُ جومانا أنا لكِ؟ .. لا .. فلو
غَفَرْتُ أنا .. لن تغفِري أنتِ .. غفراني
(أنا) في الصدر و العجز و (أنت) في العجز كلاهما محشور لإقامة الوزن و يمكن حذفهما واختصار البيت في جملة: أأغفر لك جومانا لا فلو غفرتُ فلن تغفري غفراني.
سَحَقْتِ كياني بالقطيعةِ في الهوى
وقوَّضتِ أيضاً بالقطيعةِ أركاني
(أيضا بالقطيعة) يسهل الاستغناء عنها ب (بها)، و ليس هذا من باب رد العجز على الصدر، بل من باب الحشو.
وما .. ما بها بي .. بي بها .. ولِما بها ..
وما بي بها .. بي .. !! حُبُّها امْتصَّ أزماني
سمعتُ عن شلشلة الأعشى و قلقلة المتنبي و اليوم أضيف إلى القائمة بهبهة الدومي، و هذا -برأيي- نهج أحرى ألا تتبعه لخلوه من الشاعرية.
وما قُلْتُ ما قد قلتُ فيك وإنَّما
أنا قلتُ ما قد قالَ لي فيكِ .. شيطاني
البيت يسهل اختصاره في جملة: قلتُ ما قاله شيطاني فيك.
و متى كان نثر البيت أوجز من شعره، فثمة الحشو و النثرية.
ملاحظات أخرى:
ولا أنتِ بالأنثى التي تسْتَحِقّ أن ... أُقلِّدُ عينيها جنوني .. وتيجانيأن أقلدَ
إذا خبَّئتْ
خبأتْ
صور أعجبتني:
جدائِلُها تعدو مبعثرةً على
وسادتِها الخجلى .. كشلاّل غِزلانِ
وهيَّأتُ أكواني لعينيكِ كرمةً
فأعلَنْتِ عصيان الظلالِ بأكواني
أحسنتَ و أجدتَ
هذا ما تبدى لي من مصافحتي العجلى لنصك
و لعل أشياء فاتتني
ولعل الأخوة يعقبون بما هو أفضل
تقبل تحياتي
ـ[محمد رفعت الدومي]ــــــــ[08 - 09 - 2008, 11:53 ص]ـ
الأخ فارس
تحياتي ..
أشكرك علي مرورك جدا
ولي علي ملا حظاتك ملا حظات
البحر الذي تكتب عليه هو الطويل، و هو من أقدم البحور و أجزلها، و قد طوّعتَه بلغتك الشعرية، و جعلته ينساب برقة و سلاسة، و هذا يُحسب لك.
شكرا
اقتباس:
وأعتقتُ من غيبوبةِ الشوقِ .. حرماني
جملة أعتقتُ حرماني من الشوق، توصل المعنى بدقة، فكلمة أعتقتُ تحمل في دلالتها ما سبق الإعتاق من الأسر و سلب الإرادة، فكنا ننتظر كلمة تفتح للصورة فضاء جديدا، و تعطيها أفقا أوسع، فجاءت كلمة غيبوبة لتحصر المعنى في مساحة ضيقة، أبعادُها دلالةُ كلمة غيبوبة، و أبهتتْ إيحاء (أعتقت) و كررتْهُ.
من قال أن جملة أعتقت حرماني من الشوق توصل المعني .. أنا لا أريد الشوق كما يعرفه الناس ولكن الشوق الخطأ الذي يقف خارج أسوار الشوق تماما وكان المفروض أن تشي لك ذبحتك بمستويات دلالة الغيبوبة المتعددة
¥