كنت أساعدها في الإجازات ببيع الأقراط الطبية في السوق وكان حالي يشبه بائعة الكبريت وأنا أنادي:
أقراط .... أقراطٌ طبية
خالتي ... قرط طبي
اشتري مني .......
وأعود للمنزل وقد بعت الشيء القليل، ولكن كنت أحمد الله على هذه النعمة رزقٌ قليل خيرٌ من كثير ......
وتمر الأيام بهدوء حتى ذلك اليوم الذي أفزعنا فيه قرع الباب .......
فتحت أمي الباب، أقبلت بنظرات شزرة وكانت تتطاير من عينيها الشرار قذفت بالفستانِ أرضًا، وارتفع صوتها بالصراخ:
-كيف تجرُئين على ذلك؟!!
-ماذا تقصدين يا (مشاعل)؟!
-أنت تعرفين ماذا أقصد ....
ألستِ أنتِ من خطتِ هذا الفستان؟
-وماذا في ذلك؟!
-عندما أطلب منك الاستعجال في خياطة القطع كنت تعتذري وتتحججين بالتعب والمرض أنت كاذبة
تستغلين الوقت في خياطة الملابس لغيري ....
-لا يا (مشاعل) الأمر ليس كذلك، كنت بنفسي آتي إليك وأطلب منك قطعًا لأخيطها، لكنكِ تقولين ليس هناك طلبًا اليوم، تنقضي الأسابيع دون أن أُخيط فستانًا واحدًا،
وكما أنت تعرفين لدي أطفال أيتام، وأنت تدفعين لي القليل مقابل الفستان في حين أنكِ تعلمين أن قيمة خياطة الثوب أكثر بكثير .....
اضطررت أن أخيط للناس لأسكت تلك الأفواه الجائعة، وفعلاً كنت أتعب وأشتكي من ألم الظهر وأسهر الليالي كي أنهي الخياطة في وقتها ........
كانت (مشاعل) إنسانة لا تعرف الرحمة،عصبية المزاج، أنا لم أستغرب منها فعلتها تلك، فهي لم تنجب أطفالاً لذلك لا تشعرُ بما تشعرُ به أمي ...
لم تملك (مشاعل) ردًا تقوله غير أن تُدير ظهرها وتخرج .....
كانت أمي ولا تزال مثل الجبل الشامخ، لا تهزها رياح المصائب والمحن، أسطورة لن تتكرر عبر الزمن ......
تطالعنا بابتسامة عريضة ولكننا نعلم بأن قلبها لا زال يبكي مرارة الأيام .......
كانت تشتري لنا الجديد وترتدي القديم ....
سألتها يومًا:
-لماذا لا ترتدين الجديد مثلنا؟
لماذا تحرمين نفسك من كل هذا؟
أنت لازلت شابة!!!!!
أجابتني وهي تبتسم:
-ومن يهتم بذلك
رحل من كنت أعشق البخور والعطور من أجله،
تركني من كنت ألبس أجمل الثياب من أجله ......
لكن لا عليك سيكون الغد أفضل من اليوم، وأنت من يشد الرحال للأفضل، ستكبر ويكبر القرش معك، وستجلب لي كل ما أشتهي وأبتغي، تجلد بالصبر يا بُني .....
كنت أعتصر الألم بداخلي وكأني أغرق في بحر الشجن، أنتظر بصيص الأمل ينتشلني من هذه الدوامة .....
لن أفقد الأمل
سأرسمُ ضحكةً حقيقية وليس ابتسامة تستر الألم،
كفاكِ يا دموع لقد تقرحت عينا أمي من هطولك، وشاخت قسمات وجهها قبل أوانها، واشتعل رأسها شيبًا
ألا يكفي هذا .. ألا يكفي ...
استأنفت حياتي العملية بوضع القرش على القرش عندما كنت أعمل في محل لبيع الملابس، وهناك عرض عليَ أحد زملائي في العمل سيارته لظروفه الصعبة، ترددت كثيرًا في ابتياعها فأنا لا أحتاجها،لكن زميلي في أزمة، كانت السيارة في حالة يرثى لها ومع ذلك اشتريتها بثمن زهيد، أُجريت عليها التعديلات لتتحول إلى مركبة تفوق الخيال، أعجب فيها أحد الشباب فابتاعها مني بعد أن عرض عليَ ثمنًا خياليًا،لتكون هذه السيارة بداية لمشروع العمر .........
وتركض الأيام في سباق الزمن لتتحول الهموم إلى سحابة صيف لا تكاد تمطر حتى تنقشع، والحمد لله على كل حال .......
وفجأة يرن هاتفه المحمول ...
-مرحبًا أمي
-أهلاً (وسام)، تأخرت يا بُني!!
-ها أنا قادم لن أتأخر
أنتظرك ... في حفظ الله،إلى اللقاء ...
إلى اللقاء
النهاية
الصبر مفتاح الفرج
ـ[مريم الناصر]ــــــــ[21 - 09 - 2008, 01:10 ص]ـ
انتظر تواجدكم
ارجو أن تساعدوني بنقدها
ـ[محمد الجهالين]ــــــــ[21 - 09 - 2008, 08:03 م]ـ
وقطرات الدم تتزحلق على خدي
نعم، هذا ما يحدث عندما يثعب الدم ساخنا من الجبين، تعبير موفق
وأغلقتُ عيناي
عيني
وتركنا نواجهُ زوبعة القدر
الزوبعة ليست وصفا لامتحان القدر
كنت تعتذري
تعتذرين
ليس هناك طلبًا اليوم،
طلبٌ
رغم السهو أو الخطأ النحوي فإن لغة القاصة سليمة التركيب قوية البناء.
حبكة القصة في حشد معاناة وسام حتى وصل إلى ما وصل إليه، وسام الذي استطاعت القاصة أن تخفي هويته في متن القصة بذكاء وتشويق، واستلته في نهاية القصة بهدوء شديد لنعلم أنه صار صاحب معرض سيارات بكد وجد وشرف.
قصة مشوقة، شجية السرد والتصوير.
ـ[مريم الناصر]ــــــــ[22 - 09 - 2008, 01:47 ص]ـ
أشكرك فعلاً أخي الكريم
بردك رفعت من معنوياتي
لا عدمناك
موفق إن شاء الله لما ترنو وتريد
ودمت بخير