ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[01 - 11 - 2010, 09:14 م]ـ
تجد مالينج في عمل سابق لأستاذها هال Halle أنه وضع قاعدتين لتبرير إهمال ثلاثة أوزان من الدائرة الرابعة لم تستعمل في الشعر العربي. القاعدة الأولى، وتنص على أنه لا يمكن للنسق أن يبتدئ بوتد مفروق. وأما الثانية فتنص على أنه لا يمكن للنسق أن ينتهي بوتد مفروق يتلوه سبب أو سببان. ومع أنها لا تجد سببا مقنعا للقاعدة الأولى بصيغتها تلك، إلا أنها ترى أنه بالإمكان تعديل القاعدة الثانية بحيث تشمل ما كان آخره وتد مفروق، وبذلك تزداد عموميتها.
ثم إنها لما وجدت بحور المضارع والمقتضب والمجتث ثنائية التفاعيل، رأت إمكانية للتخلص من دائرة المشتبه جملة، وأن تجعل بدلا منها دائرة أخرى تضم هذه البحور الثلاثة بشكلها المستعمل كما بلي:
1 - * ------- ف س س و س س
2 - المنسرح س س و س س ف
3 - الخفيف س و س س ف س
4 - المضارع و س س ف س س
5 - المقتضب س س ف س س و
6 - المجتث س ف س س و س
وقد جاء في هذه الدائرة الجديدة بحر واحد مهمل ميزته مالينج بعلامة النجمة (*) للدلالة على أنه غير مقبول وزنيا، فأما المنسرح والخفيف فقد ظهرا في الدائرة بشكلهما الثنائي الذي يجعلهما مرفوضين حسب قاعدة هال التي أشرنا إليها قبل فليل. إذن، كيف ستحل باحثتنا هذه المعضلة، لا سيما وهي تعلم أن هذين البحرين (القصيرين) مستعملان. تقول إن ذلك ممكن عبر خيارين اثنين:
الأول: إضافة تفعيلة ثالثة تحوي وتدا مجموعا من نفس نوع التفعيلة الأولى في النسق. وأما الخيار الثاني فهو: حذف ذلك المقطع (العدواني) القصير نفسه.
وقد أدى سلوكها سبيل الخيار الأول إلى إضافة بحرين جديدين هما المنسرح والخفيف الثلاثيان، وأما الخيار الثاني فلا يؤدي إلا إلى ضرب المنسرح:
مستفعلن مفعولن
وهذا الضرب يمكن رده أيضا إلى بحر الرجز!
ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[07 - 11 - 2010, 03:42 م]ـ
لم تكن مالينج أول باحثة تحاول إخراج السريع من دائرة المشتبه، فلقد سبقها إلى ذلك الجوهري قبل ألف عام. هي لأنها لا تقبل نسقا ينتهي بوتد مفروق، وهو لأنه لم يقبل نسقا ينتهي بتفعيلة مفعولات، وإذن فسبب الطرد واحد عندهما. وهي أعادت السريع إلى حضن الرجز كأحد أنواعه الخاصة، وهو ألقاه بين أحضان البسيط (لأن كل ما كان على مستفعلن فاعلن فهو من البسيط طال أو قصر). لكنها اختلفت عن الجوهري في أنها جمعت ما بقي من بحور دائرة المشتبه في دائرة جديدة أعادت بها لم شملهم ثانية، وأما هو فقد واصل تشتيت بحور تلك الدائرة وإلقاءها بين أحضان بحور أخرى، بحيث صار المنسرح والمقتضب من الرجز، لأن (مفعولات) فيهما لم تكن عنده إلا زحافا لمستفعلن بعد تفريق وتده. وكذلك ألحق المجتث بالخفيف،لأن كل ما كان من مستفعلن فاعلاتن فهو من الخفيف عنده.
وأما خشان فاختط نهجا آخر، ولعله إلى نهج مالينج كان أقرب، نوعا ما، منه إلى الجوهري. فهو قد ألغى الوتد المفروق برمته، أو لنقل إنه لم ير لهذا الوتد أثرا في بحور دائرة المشتبه وذلك بعد أن أزال الحدود التي وضعها الخليل بين التفاعيل. ولم يكتف بأن يزحزح الحد الفاصل بين مفعولات ومستفعلن وحدهما في المنسرح، كما كان أهالى الرمثة يزحزحون الخشبة بينهم وبين درعة، بل كان يقصد إلى أن يجعل من مبدأ الإزالة هذا مبدأ عاما يشمل كل التفاعيل. ولهذا وجدناه في مناسبات كثيرة يندد بوهم الحدود بين التفاعيل، ويؤكد على أن في إزالتها تيسيرا عظيما على طلبة علم العروض، ذلك أن كثيرا من مصطلحات الخليل ارتبط بهذه الحدود، دون أن يكون للتفاعيل من مبرر إلا مجرد حمل هذه المصطلحات فحسب.
من هنا وجدنا خشان في مناسبات عديدة يدعو إلى إزالة الحدود بين التفعيلات، وهو هنا يختلف عن مالينج التي جعلت من حدود التفاعيل foot boundaries مبدأ أساسيا من مبادئ عروضها التوليدي وذلك لشرح قوانين معينة في الزحاف لا تكاد تنطبق إلا بمراعاة هذا المبدأ. وبهذا فقد عدّ عملها مكملا لعمل الخليل ومفسرا له.
ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[08 - 11 - 2010, 03:25 م]ـ
بخروج الوتد المفروق من النظام الرقمي، بقيت فيه المكونات الثلاثة: السبب بنوعيه، والوتد المجموع. وقد رمز لهما خشان بالرمزين 2، 3.
وأما مالينج فقد رأينا أنها رمزت للمكونات السبب وتدية الثلاثة عندها بالرموز س، و، ف، غير أنها كانت ترى أن "التحليل المنهجي الذي يقوم على استخدام وحدتين فقط هما: س، و يبقى هدفا مرغوبا فيه من حيث أن النظام الوزني القائم على ثلاث وحدات يعد نادرا". وإذن، فرمزا الرقمي هما ذلك الهدف المرغوب فيه عند الباحثة مالينج، ولو أنها وجدت سبيلا إلى التخلص من الوتد المفروق لكانت سلكته، ولكن يحمد لها أنها سجلت هذه الملاحظة التي تدل على عمق معرفتها بشروط التحليل المنهجي.
لقد كنا رأينا في وصف خشان لبحور دائرة المشتبه بالوحدتين الأساسيتين: 2، 3، كيف استقام له ترتيب هذه البحور بما فيها السريع الذي ينتهي عنده بثلاثة أسباب (2 2 2) كثيرا ما يدلعها بالرقم 6. ورأينا أيضا كيف اختصر دائرتي المؤتلف والمجتلب في دائرة واحدة تضم الوافر والهزج وبعدهما الكامل والرجز ثم الرمل.
وهذا كله مما يدخل في تيسير هذا العلم الجميل.
¥