ثم بيَّن النصُّ ما دفع اليهود إلى هذا السباب والجحود، فقال: (عل روف عفونخا، فرباه مسطماه) «لكثرة آثامك وفرط عدائك» [4]. فسبب تكذيب اليهود للنبي - صلى الله عليه وسلم - وشتمهم إياه - بشهادة أسفارهم – هو فرط عدائهم، وهو كما قال - تعالى -: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 28].
وفي قصة صفية بنت حيي بن أخطب - رضي الله عنها - أنها قالت: كنتُ أَحَب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر؛ لم أَلقَهُما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه. قالت: فلمَّا قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، ونزل قباءَ في بني عمرو بن عوف، غدا عليه أَبي حييُّ ابن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلِّسين. قالت: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس. قالت: فأتيا كالَّين كسلانَين ساقطَين يمشيان الهُوَينى. قالت: فهششت إليهما كما كنت أصنع، فو الله ما التفت إليَّ واحد منهما مع ما بهما من الغم. قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: أهو هو؟ قال: نعم والله! قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم! قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته واللهِ ما بقيتُ» [5].
وهنا أختم بعرض ترجمة «فاندايك» العربية للنص أعلاه وأُتبعها بترجمتِي التي اعتمدت فيها الأصل العبري وأترك للقارئ الحكم.
ترجمة فاندايك: «ماذا تصنعون في يوم الموسم وفي يوم عيد الرب؟ إنهم قد ذهبوا من الخراب، تجمعهم مصر، تدفنهم موف، يرث القريص نفائس فضتهم، يكون العوسج في منازلهم. جاءت أيام العقاب. جاءت أيام الجزاء. سيعرف إسرائيل، النبي أحمق، إنسان الروح [6] مجنون، من كثرة إثمك وكثرة الحقد.
ترجمة الباحث: «ما أنتم عاملون ليوم الميعاد، ويوم يحشركم الرب؟ فها هم أولاء نَجَوا من البلاء: مصر تأسرهم، ومنف تدفنهم، ومُحمَّد يغنمهم، والقريص يرثهم، والعوسج في ديارهم. أزفت أيام العقاب وحلت أيام الجزاء، فبنو إسرائيل يدعون النبي سفيهاً وذا الوحيِ مجنوناً، من عِظَم الإثم وفرط العداء».
{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [البقرة: 641 - 741].
ـ الحواشي ــــــــــ
[1] «موعيد» في النص العبري.
[2] منف: مدينة مصرية قديمة.
[3] ? Barr, James. Comparative Philology and the Text of the Old Testament (Winona Lake, Indiana: Eisenbrauns, 1987), p. 23.
[4] هنا التفات من الغيبة إلى الخطاب؛ أي انتقال من صيغة الغائب «يدعو إسرائيلُ» إلى صيغة المخاطب «آثامكَ» و «عدائكَ»، وفائدته البلاغية لفت المستمع أو القارئ إلى أمر ذي شأن. وقد سبق ورود التفات آخر عند قوله «ما أنتم عاملون ... فهاهم أولاء نجوا من البلاء» والأصل «فها أنتم أولاء نجوتم من البلاء». وهذا لا يعنينا كثيراً هنا وإنما أردت به بيان مُراوحة الضمائر وأن ذلك لا يغيِّر من أصل معنى النص شيئاً.
[5] سيرة ابن هشام: 1/ 519.
[6] «إيش هروح» التي تترجم بـ «إنسان الروح» معناها: «ذو الوحي» وهو وصف لمحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ سُمي القرآن الذي أنزل عليه «روحاً» في قوله - تعالى -: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 25].
تم نشر المقال بجزأيه في مجلة البيان، العددين 276، 277 ( http://www.albayan-magazine.com/bayan-277/bayan-03.htm) شعبان ورمضان 1431هـ
ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[15 Sep 2010, 09:11 ص]ـ
حياك الله وبياك أخي الكريم الأستاذ فيصل الكاملي، وأشكر لك كتاباتك المتميزة، وننتظر منك الكثير في هذا الملتقى.